الجمعة، 20 يونيو 2008

اعتذار واجب

انا اسف مبكتبش هنا بقالي فتره وهقعد كمان فتره مكتبش عشان الامتحانات والهم...انا والله كتبت كام حاجه حلوه للمدونه وفي كمان المجموعه القصصيه بتاعتي بس انا فعلا مش فاضي لا اكتبهم ولا انزلهم عالمدونه ....دعواتكم ليا بس في فتره الامتحانات دي
جزاكم الله كل خير ...واستحملوني شويه....سلاااااااااااااام

الخميس، 5 يونيو 2008

تشيرنوبل

إحدى موضوعات مجموعتي القصصية "يوميات نائب في المستشفى"

تشيرنوبل....حينما يؤدي الإهمال إلى كارثة بشرية....إهمال موظف بسيط يتلخص دوره في مراقبة الارتفاع الحراري في هذا المفاعل النووي السوفيتي....حدث ارتفاع تدريجي في درجة الحرارة...الموظف الأوكراني يراقبه ولا يحرك ساكنا....الحرارة في زيادة مطردة....سكون من الموظف.... ارتفاع حراري...سكون.... ارتفاع حراري...سكون.... ارتفاع حراري...سكون....ثم....انفجار المفاعل النووي...ثم....مأساة بشرية راح ضحيتها المئات من المواطنين الأبرياء.....تشيرنوبل حينما يؤدي الاستهتار إلى مأساة....من يوم علمي بتلك المأساة و يرتبط الإهمال في ذهني باسم..تشيرنوبل....
*****
على غير عادتي استيقظت هذا اليوم عند الخامسة عصرا...بحكم عملي-كطبيب طوارئ يستلم نوبتجيته عند منتصف الليل- فإني استيقظ في التاسعة مساءا..أتناول طعامي ثم اقضي بعض الحاجات ثم أذهب إلى عملي...لكني في هذا اليوم استيقظت باكرا جدا...توضأت و صليت ثم تناولت طعامي و شرعت أفكر فيما يجب فعله حتى موعد العمل... قررت أن أخرج و ألتقي ببعض الأصدقاء الذين لا أراهم الآن سوى في العطلات....هكذا خرجت و التقيتهم...تمازحنا و ضحكنا و مرحنا قليلا ثم انطلق كل منا إلى حال سبيله....هكذا عند منتصف الليل تجدني استلم نوبتجيتي....أود فقط أن أنوه انني لست وحدي في هذه النوبتجية بل يعمل معي طبيب آخر يدعى عماد....كان عماد من هذا الطراز الذي تنبهر به الفتيات الحمقاوات...طويل القامة وسيم الملامح يحمل نظرة ارستقراطية لا تخطئها العين....وكما تنبهر به الفتيات كنت أنا أيضا انبهر به ولكن من جانب آخر...فقد كان عماد يمتلك قدرا هائلا من الإهمال و الاستهتار لم أره في أحد أبدا....لم يكن عماد يفعل شيئا سوى أن ياتي إلى المشفى و يسجل حضوره ثم يرحل...لا أدري إلى أين يذهب....كان يفعل ذلك مطمئنا أنه لا أحد يفتش عليك في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل....مثال صارخ للإهمال المهني هذا ال"عماد".... لكنه في ذلك اليوم اضطر ان يبقى في العمل ولا يخرج لأنه تنامى إلى مسامعنا أن هناك حملة تفتيشية "مفاجئة"ستمر علينا...هكذا تجد عماد يجلس متململا يتمنى أن تأتي الحملة في أسرع وقت حتى يغادر بعدها...كنت سعيدا جدا برؤية هذا الوغد على هذه الحال لكن سعادتي لم تدم طويلا و سيتضح سبب ذلك بعد قليل...
*****
في تمام الثانية صباحا جاءت إلى قسمنا سيدة في منتصف العمر و معها ابنتها الصبية الصغيرة....واضح من هيئتيهما إنهما من الطبقة دون المتوسطة....نظرت إلى الفتاة....اسمها "غادة"....فتاة رقيقة الملامح لكنها هزيلة الجسد إلى حد لا يصدق و شاحبة إلى حد كبير....واضح انها تعاني مرحلة متقدمة من فقر الدم....كانت الفتاة تنزف من إحدى قدميها و أخبرتنا أمها أنها قد داست بالخطأ على مسمار صدأ و هي تخشى على ابنتها من أن تصاب بالكزاز "التيتانوس".....كانت حالة الفتاة من نصيب د/عماد حيث كنت أنا مشغولا بعلاج مريض آخر....لكني صراحة أصابني القلق.... علاج مثل هذه الحالة هو جرعة من ال"بنسيلين" ...لكن ماذا لو كان الفتاة مصابة بحساسية ضد ال"بنسيلين"....هكذا تركت مريضي و ذهبت إلى عماد و نقلت له خواطري....لكنه أجابني بالصمت....طلبت منه أن يجري لها اختبارات للتأكد من هذا الأمر و إن كانت نتيجته إيجابية فعليه أن يستخدم بديلا لل"بنسيلين" وليكن "إريثروميسين".....لكنه أجابني باقتضاب بأن هذا ليس من شاني و ان هذه حالته هو وله وحده الحق في تقرير ما يجب ان يفعل بشأنها....من ثم قام بحقن الفتاة بال"بنسيلين" وضمد لها الجرح وبعدها غادرت الفتاة و أمها المستشفى...
*****
كانت عقارب الساعة تشير إلى أنها قد تجاوزت الرابعة صباحا بقليل....حين أتت غادة مع أمها مرة أخرى...كانت غادة هذه المرة في حالة سيئة للغاية....كانت تقريبا في غيبوبة مع وجود تيبس شديد بالعضلات و تعاني من ضيق حاد في التنفس.... حاولت إسعافها بكل ما أملك من طاقة و خبرة إلا إنني فشلت...كانت حالة منتهية بلغة الأطباء.... هكذا ماتت غادة بين يدي....نظرت إلى عماد فوجدت ملامحه جامدة كعادته و نظرات عينيه تقول:"ليكن...ليس خطأي....فليرحم الله الجميع"....ثم غادر المكان في كبرياء واضح....أخبرت الأم بفجيعتها و حاولت تهدئتها بشتى الطرق....لكني كنت أعلم أن مصيبتها أكبر من أن تحتمل...طبعا غادرت الأم المستشفى و لكن هذه المرة مع جثة صغيرتها ....غادرت و هي لاتعلم أن ابنتها ماتت لأنها كانت مصابة بحساسية ضد ال"بنسيلين" و زاد فقر دمها الحالة سوءا....غادرت و هي لاتعلم ان صغيرتها راحت ضحية لإهمال طبيب قاسي القلب لا يعرف للرحمة معنى .....مرت تلك الواقعة على الجميع مرور الكرام....على عماد و على الممرضات و على الإدارة لكنها تركت في نفسي أثرا لا يمحى.... تغيرت أشياء كثيرة بداخلي...لكن أشد ما تغير هو أن الإهمال عندي لم يعد اسمه تشيرنوبل...قد صار اسمه غادة....
*****