الخميس، 27 نوفمبر 2008

استدعاء



بملامح غاضبة اجتاز الطبيب الكبير دكتور "ابراهيم الشيخ" أبواب مستشفاه الاستثماري الفخم... كان غضبه واضح و كان أمر مفهوم للجميع... هو لا يرحب أبدا بالاستدعاءات الليلية... و يرى أنه على أي طبيب يوجد في مشفاه أن يبذل قصارى جهده لإنقاذ أي حالة مهما كانت خطورتها دون العودة إليه... و كان دائما ما يختم محاضرته لهم بقوله :-" أمال بدفعلكم فلوس على إيه...عشان تصحوني كل يوم بالليل و اجي اعالج لكم الحالات!!".... دائما ما كان يذكر انه لم يصل لتلك المكانة من فراغ... لم يحقق الثراء من العدم...لقد تعب و اجتهد و تذلل و كافح و و و و ....حتى يصل إلى لقب الطبيب الكبير... لذا كان غضبه واضحا للجميع.... توعد الفريق النوبتجي من الأطباء بجزاء ضخم لو لم تكن الحالة- التي استدعوه بسببها في الرابعة فجرا – تستحق... قابله أحد الأطباء الشبان بوجه ممتقع و قال له:-"سيدي..حمدا لله أنك استجبت... أن الحالة خطيرة بالفعل و.."....قاطعه د/إبراهيم في صرامة:-" أرجو أن تكون حالة تستحق"...لم يرد الطبيب الشاب بل خفض وجهه و لم يجد ما يرد به....بادره د/إبراهيم قائلا في حزم :-" ما الحالة؟!"...تردد الطبيب الشاب قبل أن يجيب:-" إنه...إنه مصاب في حادث سيارة"...ثم أردف في سرعة:-"لكنه مصاب بشدة يا سيدي....أخشى أنه فات أوان الإنقاذ"....لاحظ د/إبراهيم الوجوه الممتقعة من أطباء و ممرضات و عاملي المستشفي تنظر إليه في رعب.... ابتسم في سره...لكم هو مهيب!!..لكم هو جبار!!.... حينما وصل الاثنان إلى غرفة الطوارئ حيث لا يزال المصاب مستقرا فتح الطبيب الشاب الباب....نظرة واحدة كانت كفيلة بأن يتغير كل شئ....بالنسبة للعاملين في المستشفى لم يكن ذلك المصاب سوى المصاب في حادث....لكن بالنسبة له لم يكن هذا المصاب سوى ابنه.....هنا فقط علم د/ ابراهيم أن الحالة تستحق...

************

تنويه:- معلش يا جماعه القصه المرده دي قصيره اوي....للأسف انا مكنتش عايز كده....انا عامل مجموعة قصص قصيره اوي من نفس القطعيه بس كنت ناوي انزل اربعه او خمسه في البوست الواحد مع بعض...لكن نظرا للظروف المرضيه الشديده و اللي معاها مش عارف اطلع صوتي حتى... ويتزامن مع ذلك ارهاق شديد عشان انا ملتزم اوي –بحيلتها- و اروح مستشفى الاطفال في صيدناوي كل يوم و كمان اروح عملي الباطنه و انا تعبان كده....فالحمد لله انه اداني القدره اني اكتب الحدوته دي كمبيوتر و قلت انزلها عشان انتو وحشتوني و بقالي كتير منزلتش...بس قريب ان شاء الله لما اخف هنفذ الفكره اللي قلت عليها دي....حتى كنت هسميها قصاصات او مثلا استدعاء و قصص اخرى...على هذا النسق يعني...لكن هي فعلا للأسف قصيره جدا ..قصاصة يعني... وانا ممكن ان شاء الله اضمها للمجموعه لما اكتبهم كلهم وورد و انزلهم مره واحده ان شاء الله...

شكرا لكم و دمتم بكل خير........

الأحد، 2 نوفمبر 2008

Interview


في تمام السادسة صباحا انطلق المنبه في الرنين .... بصعوبة فتح عصام عينيه...تنهد من الأعماق ثم اسكت الجرس المزعج قبل أن يعتدل في الفراش....أخذ يفكر قليلا....اليوم موعد المقابلة المهمة لاختيار موظفين جدد..او كما يحلو لهم تسميته ((interview))....بالنسبة لعصام لم تكن تلك المقابلة هي الأولى له....لكنه أخفق في الكثير من قبلها و اليوم يطمح إلى أن يذوق حلاوة النجاح للمرة الأولى.... يطمع أن يكون مسئولا عن نفسه....يحلم بمستقبل مشرق و أوضاع أفضل....يتأوه بقوة ثم ينهض متجها إلى دورة المياه للاغتسال و لأعداد نفسه للمقابلة المرتقبة...
*****
نترك عصام لحمامه و نتجول بعدستنا في حجرته الصغيرة....حجرة عادية جدا مثل كل الحجرات في بيوت الطبقة دون المتوسطة....و الطبقة دون المتوسطة هي طبقة مستحدثة لا وجود لها في العالم سوى في بلدنا.... هي تلك الطبقة الواقعة بين الطبقة المتوسطة و الطبقة الدنيا... هي تلك الطبقة التي لا تجوع لكنها لا تعرف معنى الشبع.... هي تلك الطبقة التي لا تعرى لكنها لا تعرف جودة الملبس....نعود إلى الحجرة.... في جانب الحجرة سرير خشبي قديم تآكل الخشب عند الأطراف.... هناك دولاب عتيق من ذلك الطراز الذي توضع فوقه المراتب القديمة والملابس البالية و حقائب السفر التي لا تستعمل قط.... يوجد مكتب يبدو عليه الحداثة بعض الشئ...على المكتب لفافة بها بقايا طعام و كوب من الشاي....على المكتب أيضا يوجد تقويم لم تنزع منه ورقة واحدة منذ شهرين....على الحائط نرى العديد من الملصقات....نجد ملصقا لعمرو خالد مجاورا لملصق لبريتني سبيرز.....ملصقا لجيفارا و إلى جواره ملصقا لهتلر....ملصقا به بعض الأدعية و آخر به كلمات لأغنية رومانسية.... باختصار حائط يحمل أعتى معاني التناقض و التضاد...أنى له أن يحب كلام عمرو خالد و يتقرب به إلى الله و في نفس الوقت يشاهد إباحية و ابتذال الأخت بريتني....و أنى له أن يستمتع بالأدعية الإيمانية و في ذات الوقت يعشق الأغاني.... و كيف له أن يحب جيفارا و يعجب بنضاله في سبيل الاستقلال و حرية الأمم و في نفس اللحظة يعجب بهتلر و فلسفته في الاستعمار و تقييد الحريات....رمز للتناقض الذي يعيشه شبابنا المغيب....نعود بعدستنا لعصام الذي يدخل الغرفة الآن و هو يجفف نفسه بالمنشفة...يفتح الدولاب و يخرج الحلة الرمادية الوحيدة التي يمتلكها و لا يرتديها سوى لتلك المقابلات....يرتدي الحلة و يصفف شعره بعناية و يتعطر بذلك العطر الفخم الذي أهداه له خاله العامل بالخليج و الذي يحتفظ به خصيصا لتلك المناسبات....يقف أمام المرآة ليتأكد من أناقته... فجأة يرن جرس هاتفه الشخصي...كان المتصل صديقه محمود...سأله محمود عن موعد المقابلة لتلك الشركة لكن عصاما أنكر...و أخره أنه لا يعلم موعد المقابلة و أنه بالتالي لن يذهب إلى أي مكان و أنهى المكالمة....كذب عصام على صديقه الصدوق.... كان يرغب بشدة في تلك الوظيفة و يأبى أن ينازعه أحد عليها فقرر أن يذهب وحده و يجازف بتلك الصداقة...نعم فالوظيفة بالنسبة له أهم....الصداقة تموت و الوظيفة تبقى....
*****
في الشارع اتخذ عصام قراره بأن يحافظ على تلك الأناقة بما يملك من جنيهات قليلة فقرر أن يتنازل و يضحي ويستقل سيارة أجرة بدل الحافلة العامة....في الطريق شرع يردد الأدعية و الآيات القرآنية عسى الله يوفقه في تلك المرة...من أجل أمه و أخوته و من أجل مساعدة أبيه....
*****
لم يكن مقر الشركة مزدحما كما تصور...لم يتقدم للوظيفة سوى أربعة غيره....حمد الله في سره أن المنافسة لن تكون شرسة و رجى الله ألا تتطلب تلك الوظيفة شهادة خبرة فهو لم يعمل قبل ذلك ولا يمتلك شهادات خبرة سابقة.... جلس عصام يتنظر دوره .... وجد أن هاتفه يرن في إلحاح...كان محمود هو المتصل....لم يرد عصام و ترك الهاتف يرن لأكثر من خمس مرات حتى مل محمود من المحاولة.... جاء دور عصام و في المقابلة بدى له أن الممتحن و هو مدير الشركة لم يكن مقتنعا به تماما خاصة بعد أن رأى سيرته الشخصية المتواضعة ((c.v))....شعر عصام أن المدير لا يهتم بما يقوله و أحس بالرجل ينتظر نهاية المقابلة بفارغ الصبر....علم أنه أخفق كالعادة....لكن المدير فاجأه قائلا في برود:-"مبروك يا أستاذ...لقد نجحت...نحن في الأصل نحتاج خمسة موظفين و لما لم يأتي سوى خمستكم فقررنا تعيينكم جميعا....ستمضون العقود الآن لتدخلوا البرنامج التدريبي الوظيفي من الغد"...لم يصدق عصام أذنيه...هو أخيرا نجح...بل سيوقع العقد الآن....سعادة بالغة لا يمكنه وصفها.... و عند توقيع العقد لم يهتم كثيرا ببنوده...نعم ستكون الوظيفة في سوهاج لكن ما المشكلة..بلد مثل كل بلاد الله....مرتب الخمسمائة جنيه لم يكن بالسيئ...أمر مقبول جدا كبداية خاصة مع وعود المدير بالزيادات.... الشرط الجزائي بألا يترك الشركة إلا بعد مرور عام كامل على استلام الوظيفة و إلا فليدفع مبلغ عشرة الآف جنيه....لم يهتم بهذا الشرط كثيرا ...نعم هو لا يملك مثل هذا المبلغ و لا يقدر أبدا على دفعه...لكن من قال أنه سيرحل عن تلك الشركة....سيعمل بها طوال عمره....أنها أول من منحه فرصة عمل حقيقية....وقع عصام العقد و خرج من الشركة يكاد يطير فرحا...
*****
خرج من الشركة وهو يفكر في رد فعل أهله و كيف ستكون فرحتهم.... بالنسبة لمحمود سيقنعه أنها وظيفة تلقاها عن طريق بعض المعارف و سيحافظ على صداقتهم...رن الهاتف مرة أخرى...كان محمود هو المتصل...قرر أن يرد و يخبر صديقه بهذا الخبر السعيد...مجرد أن فتح الهاتف و لم يقل سوى ((ألو))...سمع محمود يقول له في انفعال سعيد:-" عصام...لماذا لم ترد....اتصلت بك كثيرا....لا عليك...لدي لك مفاجأة رائعة....استطاع أبي بعلاقاته أن يوفر لنا وظيفتين رائعتين في شركة رائعة....العمل في القاهرة و المرتب ثلاثة الآف جنيه.... يجب أن تجهز أوراقك لأن آخر موعد للاستلام بعد أسبوع و إلا ضاعت الفرصة و طار العصفور من العش...مفاجأة رائعة...أليس كذلك...هيه..عصام لماذا لاترد....عصام...عصاااام"