الاثنين، 20 أبريل 2009

انتظار

ينظر إلى الساعة الحائطية الكبيرة القابعة أمامه في هدوء مستفز....نعم لم يطل غيابها في الخارج لكنه يشعر ان دهرا قد مر على خروجها....تنبأنا مطفأة التبغ عن عدد اللفافات التي احرقها منتظرا....لم يكن يحرق لفافات التبغ وحدها بل كان يحرق معها أعصابه.... إلى جانب أربعة أقداح من القهوة احتساها في ساعتين ظنا منه أنه تساعده على الهدوء المطلوب في المواجهة المرتقبة...لكن العكس ما كان يحدث....لقد أحرق شمعة جهازه العصبي من الطرفين...و لكن الأمر لم يخل من قدح آخر من القهوة و لفافة أخرى من التبغ...و طفق ينتظر....
*****
هي لا تعلم أنه يعلم أنها تخونه....زوجته الجميلة الرقيقة لميس تخونه....لم يزد الأمر عن مصادفة سيئة هي التي قادته إلى هذا الكشف البغيض....لم تكن لميس بالدار...و شعر هو بصداع شديد فبحث عن دواء المسكن المستورد الذي تخفيه لميس في دولاب الملابس لتلك الظروف...ِشأنها شأن كل النساء...دوما ما تخفي الأشياء في مواضع مستعصية لأن الرجال أطفال أشقياء لا يفعلون شيئا سوى إضاعة الأشياء المهمة....هكذا طفق يبحث عن الدواء لكنه اصطدم بكومة غريبة من الخطابات....لم ير تلك الخطابات من قبل....لم ينتظر طويلا و شرع يقرأها....و لم يحتج الأمر لكثير من ذكاء....لميس تخونه....خطابات غرامية كانت مليئة بالشوق و اللوعة....حب و عواطف و تساؤلات و أشواق و أشياء أخرى تتعلق بطهارة الجسد و عفته التي لم تحفظ....لميس تخونه....و خيانة فجة وقحة....للحظة شعر بأن الأرض تميد به و شعر بأنه يغيب عن الوعي و ينحسر عن الواقع....حتى الصداع نسيه....و تهاوى -هو لا الصداع- على أقرب مقعد و أخذ يفكر....
*****
تساؤلات كثيرة كان يساءل نفسه بها و تحققت إجابتها في تلك الخطابات....ما سر شرود لميس المستمر نهارا و سهادها الدائم ليلا؟.... ما سر زيارات لميس الليلية إلى دورة المياه و تجلس بها بالساعات تبكي و يسمع نشيجها و أناتها يوميا؟.....لماذا تمتنع لميس عن لقاءه بالفراش؟....ما سر الفتور الذي أصبح سمة التعامل الرسمية بينهما؟....كلها تساؤلات شغلت باله لأيام عدة ثم عرف الحقيقة فجأة....وليته لم يعلمها....لميس تخونه....يستطيع أن يتصور أن يتكلم الحجر أو أن تصير الشمس زرقاء و يصير البحر أسود...لكنه أبدا لا يستطيع تصور خيانة لميس...هكذا قام من مجلسه و شرع يقرر...
*****
هكذا نجده منتظرا عودة لميس بفارغ الصبر ليواجهها بما اكتشف....لقد حاول لعدة أيام أن يؤجل تلك المواجهة لكنه لم يعد يطيق صبرا...سيواجهها اليوم و يعرف منها الحقيقة كاملة....فقط عليه أن يحافظ على هدوء أعصابه و رباطة جأشه.... و هو الأمر الذي لم تفلح فيه جبال التبغ و أطنان القهوة التي احتساها...بل زادت الأمر سوءا....
*****
حينما فتحت لميس الباب و دخلت...لم يدر هو ماذا يقول و لا كيف تكون الجملة الافتتاحية....فجأة لم يجد كلمات....تطايرت الأفكار كلها حين رآها مرهقة منهكة الجسد....قدر في نفسه أن العواطف اليوم مع عشيقها كانت في القمة....لم يجد ما يواجهه بها في صورة كلمات....اندفع من فوره إلى المطبخ و استل سكينا حادا محترما و من دون كلمات اندفع إلى حجرة النوم حيث دخلت و انهال عليها طعنا و هو يردد في هيستيريا " يا خاينه يا كافره"....و لم يتركها إلا و هي جثة هامدة....
*****
وقف في منتصف الحجرة لا يدري ماذا فعل و ماذا يفعل و ماذا سيفعل....ناظرا إلى جثة إمرأته الغارقة في دمائها...لكنها تعلم بالتأكيد لماذا قتلها....فجأة سمع دقات على الباب...اضطرب لحظات و حاول تجاهلها...لكن الدقات استمرت فتوجه إلى الباب ليفتحه عازما على التخلص من الطارق مسرعا ليرجع ليفكر في مصيبته....فتح الباب فطالعه وجه نشوى صديقة لميس و ربيبتها الأثير....ارتبك حين سألته عن لميس لكنه تماسك و أخبرها أنها لا تزال بالخارج و بالطبع لم يدعها للدخول....فكرت نشوى قليلا و بان عليها التردد قبل أن تقول" طب...ممكن تجيبلي أمانه كنت شايلاها عند لميس...هي قالتلي انها شايلاها في الدولاب و اني لو جيت و ملقيتهاش اقولك عشان تجيبهوملي....هما مجموعة جوابات خاصه بيا كده".....
*****
لم يرد....تركها و توجه مسرعا إلى الغرفة....بحث في الدولاب و أخرج الخطابات....لكنه اصطدم بمجموعة أوراق....طالعها مسرعا فهاله ما اكتشف....كانت مجموعة من التقارير الطبية و منها عرف أن سبب شرود زوجته و بكائها و سهادها لم يكن الخيانة و لا الحب...بل كان المرض....فلميس الرقيقة كانت تعاني من السرطان و أخفت عنه كي لا تصيبه بالهم....وقف عاجزا شارعا بالانهيار الكامل....ليته انتظر قليلا وواجها....ليته لم يتسرع....قد ارتكب خطئا لا يكفي ندم الدنيا لإصلاحه..... قبل ان يقترب من جثة زوجته و حبيبته و ارتمى عليها و هو لا يكاد يراها من فرط الدموع التي أغشت عيناه....و بصوت مبحوح من أثر البكاء قال لها "سامحيني"....ثم نظر إلى جوارها فوجد السكين الذي اغتال به زهرة حبه....أمسك بها و رفعها في الهواء....و تلك المرة لم ينتظر....لم يفكر لحظة في الانتظار....
*****

كنت عاوز اسمي القصه دي سوء تفاهم بس كانت هتبقى محروقه فقلت اسميها كده.... وكنت عاوز اختمها عند كلام نشوى المفاجئ ليه... و فكرت كتير اقف ولا اكمل...فقلت اكمل...و اللي حابب ايا من النهايتين اهم موجودين....بس انا حبيت انهيها كده لأن الموت هو العلاج الوحيد للندم اللي كان هيعيش فيه...اعتقد القصه دي افضل م اللي فاتت من وجهة نظر شخصي المتواضع...دمتم بكل ود و محبه وخير...
رامي سعيد

الثلاثاء، 14 أبريل 2009

رسالة إلى محمود

لك يا محمود جردت قلمي.... لك يا محمود شحذت عواطفي.... لك يا محمود استرجعت ذكرياتي.... لك يا محمود بسطت أوراقي.... لك يا محمود اذرفت دمعاتي.... لك يا محمود اكتب هذه الرسالة...
*****
ابعث برسالة إلى محمود اقول له فيها:- اتذكر يا محمود طفولتنا؟!....أتذكر قريتنا؟!!...تلك القرية التي عشنا بها أسعد لحظات حياتنا و أجمل نسمات عمرنا....طفولة مشرقة كانت....أتذكر عم صلاح العجوز....نضايقه و نضايقه ثم ينهض فيسبنا فنجري خوفا و هلعا ثم نعود فيبتسم إلينا و يقدم لنا الحلوى و يحكي لنا قصته مع جنية الترعة و شبح المأمور الشرس...ثم يصيبنا الهلع فنتسول إليه ليتوقف و لا يتوقف فنجري عائدين إلى ديارنا نرتجف و نندس تحت أغطية الفراش نترقب خروج الجنية من مكمنها و ظهور الشبح في موعده....ننتظر و نترقب...طال الانتظار و لم يظهر الشبح و لم تخرج الجنية....
*****
ابعث برسالة إلى محمود أقول له فيها:- أتذكر يا محمود ميعة الصبا؟!....كنت أنت أخفنا جسدا و كنت أمهر من كل الصبية في لعب الكرة....كنت سريع الحركة خفيف الجسد....كم تسلقت شجرة التوت الوارفة المطلة على دار العمدة لتجلب لنا -انا و انت - بعضا من ثمارها الندية....لم تكن كثير الضحك و لم تتعود أن تشكر أحدا....لكن هل تذكر واقعة الدراجة؟!!....حين سرقت انت دراجة الشيخ سلامة شيخ الكتاب....عرفت أنا انك انت السارق لكن احدا لم يشاهدك غيري و غير الأسطى فاروق ....حتى هو لم يشاهدك جيدا و لم يستطيع البت إن كان انت السارق ام لا.... اتذكر مجلس القرية العرفي من اجل محاكمتك استنادا على شهادة فاروق المنقوصة.... كنت اعلم انك انت السارق لكني نهضت و اعلنت انك يومها قضيت الليل بأكمله عندي و من المستحيل ان تكون انت الفاعل....فأعلنوا حكما فوريا ببراءتك....لحظتها لم اهتم بشهادة الزور....لحظتها لم اهتم بجحيم الآخرة....لم اهتم سوى بتلك النظرة التي أطلت من عينيك....نظرة الامتنان...
*****
ابعث برسالة إلى محمود أقول له فيها:- أتذكر يا محمود مراهقتنا التعسة ؟!....اعترف انك ابتعدت عني كثيرا إبانها....كثرت أسفارك الغامضة إلى المنصورة....دائما هي المنصورة....تغيب أسابيعا ثم تعود لتحكي لي و لمراهقي القرية مغامراتك مع نساء المنصورة و فتياتها....و كأنك خرجت لتوك من عوالم يوسف أدريس الساحرة....كنت تحكي و تسترسل في الحكي....الكل يصدقك و تتسع أعينهم انبهارا بما تقص....إلا أنا....لم أصدقك يوما....أتذكر حين سافرت معك مرة إلى المنصورة....يومها التقينا بمن ادعيت أنه صديقك و يدعى أحمد إبراهيم....سرنا ثلاثتنا سويا....حينما رأينا فتاة جميلة متناسقة الجسد تجلس على الكورنيش النيلي الخلاب....نسمة هواء لم تكن بالرقيقة ازاحت ثوبها فكشف عن ساقيها و ما زاد....ثم لفظة غزل نابية خرجت منك....اتبعها غضب من أحمد إبراهيم و هو ينهال عليك باللكمات قائلا " دي اختي يا ابن الكلب"....لم استطع ان اخلصك منه....لكني تلقيت عنك الضربات....
*****
ابعث برسالة إلى محمود أقول له فيها:- أتذكر يا محمود سنى شبابنا؟!....سنى الحب و العاطفة....سنى الطموح و إثبات الذات....كنت أحب نجلاء ابنة الحاج ناصر المسراطي إمام مسجد القرية ذو الأصول الليبية....كانت آية في الجمال و الرقة....أنشودة تغنى بها عندليب الليل الشجي....عطر يفوح من زهرة عذراء تتفتح....كنت أحبها....نجلاء الذكية المثقفة و والدها رجل مستنير أتاح لها فرصة الدراسة الجامعية على عكس كل بنات قريتنا المتخلفات....كنت أحبها....لكني توقفت عن هذا الحب و عزفت عنه....لماذا؟....لأنك أخبرتني إنك تحبها....هكذا تنحيت عن المنافسة....صحيح أنني جامعي مثلها و أنت لم تحصل سوى على مؤهل متوسط و بصعوبة....لكنني تنحيت....لم أتحمل فكرة خسارتك من أجل حب لم تتضح معالمه.... و لكن أتذكر يوم خطبتها؟!....شاب مثقف ثري جامعي و ابن عائلة كان خطيبها....أتذكر يوم التقيتهما؟!...حينما تقدمت منها و صارحتها بحبك أمام خطيبها و جن جنونك و أنت تخبرها بأنك رجل مثله بل أفضل منه و أنك الأحق بها....استشاط الخطيب غضبا لكنه لم يتكلم....لكن نجلاء الذكية ابتسمت في هدوء و أشارت إليك و أشارت إليه و قالت " و هل يستوي الثرى و الثريا !!"
*****
ابعث برسالة إلى محمود أقول له فيها:- أتذكر يا محمود ذلك اليوم؟ّ"...يوم جئتني ليلا لتودعني....متعجلا كنت و أنت تخبرني بأنك اخترت الهجرة إلى إيطاليا من أجل تحقيق الذات....دامعا أوصيتني بأهلك خيرا حتى تحين عودتك المظفرة....حاولت إثناءك فلم استطع...كنت انت عازما و كنت بالفعل مصرا....تركتني و اتجهت إلى حيث نويت....و كان كل تفكيري وقتها...هل ستصل بالفعل إلى إيطاليا....أم يضل القارب الغير شرعي الطريق و يرسي بك في مالطة....
*****
ابعث برسالة إلى محمود أقول له فيها:- أتذكر يا محمود تلك القصاصة الورقية؟؟....تلك التي اقتطعتها أنا من إحدى الصحف بتاريخ لا أذكره و لا أريد....خبر صغير حجما كبير مقاما أنبأنا بغرق قارب للهجرة الغير شرعية إلى إيطاليا....و أمهروا الخبر بتوقيع أسماء الوفيات الكادحة....و كعادتك فشلت حتى في تصدر قائمة الوفيات....و جاء ترتيبك السادس عشر بين حوالي الثلاثين....حينما رأيت اسمك بينهم لم أفكر سوى في شئ واحد....هل دفنت حقا....أم صرت وجبة شهية للأسماك؟!....
*****
ابعث برسالة إلى محمود لا أقول له فيها شيئا....لأنه لن يقرأها.....
*****