الجمعة، 31 يوليو 2009

دندرمة

يأتي من بعيد...من على حافة الشارع....عند مقدمة الحارة....عند مدخل الزقاق....يتقدم...يمشي ببطء...يمشي بعناء دافعا عربته اليدوية ذات العجلتين و المقدمة زهية الألوان...و على الرغم من الجهد الذي يبذله....و من ضيق التنفس الذي يعتريه....و من العرق الذي يغمر جبهته و يبلل جلبابه...فإنه يكافح و يأخذ نفسا عميقا قبل أن يرفع عقيرته بأعلى ما يمكن و يصيح " دندرمااااااااااه"...
*****
لم يكن عادل سلامة ابن السبع سنوات يحلم بشئ صعب او مستحيل او خيالي....لم يكن يحلم بغد افضل او بحياة انعم او بعائلة أكثر ثراء...لم يكن يحلم سوى بقطعة دندرمة....تلك الحلوى التي يتزاحم جميع الأطفال على عم حسين البائع من أجل الاستمتاع بها....يأتي عم حسين يوميا فيلتف حوله الأغنياء من الأطفال ذوات الحسب و النسب...ينقض عليه فريد ابن الحاج سيد البشندي عين أعيان المنطقة بأسرها....و جميلة بنت سليم الصائغ...و غيرهم من الطبقة التي كان يراها عادل من المستحيلات و يراهم في مصاف المعجزات....يلتفوا حول عم حسين و يمهرونه ما يملكون من مصروف أسطوري و يحصلون على مبتغاهم....يقف فريد يلعق الدندرمه في تلذذ...يرمقه عادل طويلا...هو ليس مثله يعلم هذا...لم يحظ أبدا بفرصة...هو ليس نظيفا مثل فريد و لا يملك ان يكون نظيفا...لا مجال لعقد المقارنات...فريد يرتدي كل يوم جلباب جديد نظيف لامع بينما هو لا يمتلك سوى جلباب واحد ممزق بهت لونه...يطرق خجلا من منظره فينظر ارضا فيرى حذاء فريد المبهر فلا يعقد مقارنة لأنه اساسا بلا حذاء....لا يحاول النظر إلى جميلة سيدة الشموس العليا...فهي بالتأكيد مقدرة لفريد...هما ينتميان لنفس العالم و يرتادان أرقى المدارس و يرتديان أفخر الثياب و ينتعلان أنظف الأحذية...لا مجال لعقد المقارنات... لكن عادل يرى من حقه أن يحظى بشئ في تلك الدنيا حتى لو كان هذا الشئ مجرد قطعة دندرمة...ألا يستحقها حتى؟!!
*****
ينظر إلى فريد الذي يلعق الدندرمة في تلذذ....يتغلب على خجله و يتغلب على عفة نفسه و يقول في حياء "ما تجيب حتة يا فريد بيه"...لا يعلم لماذا نطق كلمة "بيه" هذه....و ساءل نفسه..هل إلى هذه الدرجة يشعر بالفارق الشاسع بينهما و بين طبقتيهما...أم أنها البرمجة الفطرية التي يسير عليها مثلما سار عليها أهله و سيسير عليها أحفاده....أم أنها عضة الفقر القوية التي تبث سمومها في روحة و تقضي على الموهبة و رجاحة الذهن؟....لا يدري و لم يفكر...لم يفكر سوى في فريد الذي ابتسم في سخرية قبل أن يلقي ما تبقى من الحلوى في الوحل و رحل مبتعدا موجها إليه رسالة هي الأقسى و الأسوأ و الأصوب في آن واحد....لم يتحمل عادل تلك الصفحة المعنوية....اغرورقت عيناه بالدموع....فلم يبصر لبيته طريقا....و من بين غشاوة عينية نظر إلى عربة الدندرمة نظرة أخيرة و شيعها بنظراته و هي تبتعد و تبتعد....
*****
يعلم أنهم فقراء...أبوه عامل أجير يعمل يوما و يسترح عشرا....لا يكفي قوت أهله...و زاد الطين بلة إدمان أبيه على الخمر...لم يكن خمرا بمعنى الكلمة لكنه خليط من السوبيا و الطافية و خلاصة الأسفنجة و غيرها من تلك الأنواع الرديئة المخصصة لحقارة البشر و نفاية الخلق....تغيرت طباع أبيه...صار عصبيا مجنونا سئ الخلق منحط الوضع...يهينه الناس في عمله فينفس عن غضبه في أهل بيته...يصرخ في علي الرضيع و في عماد ذي السنوات الثلاث و يخرج جام انفعاله فيه و في أمه....فيضربهم حتى يظن أن الموت آت الآن...فلا يأت....ثم يخرج و هو يلعنهم و يلعن الدنيا البائسة التي أغرقته في مستنقع الفقر فلم يأت من يخلصه منه...كان دوما ما يعتقد أنه يستحق الأفضل لا لشئ سوى لأنه هو....ثم يطلق سبة أخيرة و يغادر الدار إلى الخمارة القريبة....يرى عادل أمه تبكي فيهون عليها...و من بين دموعها يسمعها تهمس "حسبي الله و نعم الوكيل فيك يا سلامة يا ابن حوا و ادم"....ثم يرق قلبها من الدعاء على زوجها فتدعو له قائلة " ربنا يكرمك يا سلامه و يتوب عليك م الهباب ده"....ثم تستغفر الله و كأنها تتطهر من خطأها في حق زوجها و تتوب من خطأها في "الهباب ده"...ثم تنسى الأمر برمته و كأن شيئا لم يكن...
*****
لم يدر عادل لماذا خرج أبوه اليوم من البيت منتعشا...لا يصرخ و لا يضرب بل أنه قبل أطفاله الثلاثة و ودع زوجته و خرج...أمه نفسها شيعته بدعواتها ثم أخذت حماما بالكوز الصغير في دورة المياة القاحلة في دارهم و جلست تمشط شعرها الفاحم السواد...لم يفهم سر ذلك التبدل العارض في علاقتهم...و صغر سنه لم يساعده على فهم أن حقيقة الأمر لا تتعد علاقة زوجية عابرة دافئة استعان بها الزوجان لإذابة جبال الجليد التي تغطي علاقتهم الحياتية نفسها....أحس الطفل بالأمان فقرر مفاتحة أمه في مطلبه الدائم و حلمه المستمر...توجه إليها و في براءة قال" أمه انا عايز دندرمة"...نظرت له مليا قبل أن تقول " عيب يا وله"....ثم أردفت " ممعناش فلوس"....رد الطفل " يامه دي بتلاته تعريفه"...فكرت الأم قليلا ثم قالت "يا وله التلاته تعريفه دول يجيبوا خمس ترغفه و خمس بيضات و حتة جبنه و ازازة لبن لاخوك علي"...ثم لكي تقطع عليه التفكير في ذلك الموضوع احتدت قائلة" و بعدين هو أجرة أبوك فيها كام تلاته تعريفه يا بن الكلب"....علم عادل أن قرار الرفض المنتظر قد صدر فبكى كعادته...و أخذ يبكي حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم...و لم يغمض له جفن إلا بعد أن أضمر في نفسه أمرا....
*****
منذ فجر اليوم التالي و مع إشراقة أول شعاع لشمس اليوم الجديد كان عادل ينطلق هنا و هناك....يحمل الأشياء لتلك المرأة المسنة....و يساعد عامل النظافة و يحمل القصعات مع البنائيين بما تتيح له بنيته الصغيرة و جسده الضعيف...بعضهم أعطاه و البعض طرده و آخرون ضربوه لكنه لم يشتك...و كافح و ناضل...و مليم ثم مليم ثم مليم...و في غضون ثلاثة أيام جمع المبلغ المنشود...و صار اليوم جاهزا لتحقيق حلم حياته الأبدي...
*****
حينما أتى الصباح أخيرا بعد طول انتظار استيقظ عادل...سمع أباه كالعادة يصرخ و يضرب أمه فلم يهتم...خرج الأب و ترك وراءه زوجة باكية و أطفال جياع....رأى عادل أمه تبكي فلم يكترث...سمع علي يبكي جوعا فلم يلتفت...أحس بعماد يتضور حاجة فلم يهتم....نعم أبوه لم يترك قرشا واحد لأهل بيته لكنه ليس مسؤول عنهم....و خرج من الدار عازما على تحقيق حلمه المأمول...
*****
ها هو عم حسين يقترب بعربته الزاهية ألوانها....فريد ينظر إليه في احتقار لكنه لا يهتم....فريد يقترب من عم حسين و هو الاخر يقترب....فريد يشتري مراده و يلتفت عم حسين إلى عادل...يهم عادل ان يشتري الدندرمة بالفستق الذي يحلم بتذوقها منذ زمن...يتكلم أخيرا إلى عم حسين و يقول "عاوز دندرمة بالفس...." لكنه يبتر عبارته....يتذكر دموع أمه و بكاء على و جوع عماد....هم لا يملكون مالا لكنه الآن يملكه....هم لا يملكون قوتا لكنه يستطيع أن يوفره....و بحسم انسحب من عند عم حسين و توجه إلى أقرب محل بقالة فابتاع خبزا و بيضا و لبنا...ثم خرج من المحل....يلقي نظرة على فريد و جميلة و سامي و غيرهم...يراهم يلعقون حلواهم في تلذذ...و لأول مرة لم يشعر بالفقر و لا بالتضاؤل...بل سيطر عليه شعور جديد....شعر بنفسه عملاقا و شعر بهم يتضاءلون فهم كحصى الأرض أو هم أصغر....و نظر لعربة الدندرمة نظرة اخيرة ولم يتابعها و هي تبتعد...بل أنه هو الذي أخذ يبتعد و يبتعد....و من يومها و هو يحلم بكل شئ ...عدا الدندرمة....
*****

أخيرا رجعت و بكلمكم مره تانيه...انا مبسوط بجد ان اكتب تاني...اسف جدا بس انا عندي امتحانات كمان شهرين... والباطنة و الاطفال مسيطرين علينا و على وقتنا و قارفينا اخر قرف...و امتحانات صغيره كتيييييييير عدت عليا و لسه شغال فيها...فمحتاج دعواتكم جدا و الله يا جماعه...بالنسبة للقصه...مش عار انا حاببها بس حاسس انها مش هتعجبكم مش عارف ليه... :)
اشوفك على خير و في رعاية الله
سلام
رامي سعيد

الأربعاء، 15 يوليو 2009

حينما اعتقلت انا

سلامو عليكو يا بشر يا حلوين...
المره دي قصه من واقعي المؤسف... صاحبكوا الدكتور رامي البرنس اتمسك النهارده و اتفتحله محضر و بقى عليه قضيه و نجى الحمد لله من الحبس و توقف الموضوع على غرامة....و ده طبعا مش لاني قتلت حد و لا سرقت حد و لا اغتصبت ولا تحرشت....كل اللي حصل اني دخلت بالعربيه شارع معلهوش يفط و اتضح انه ممنوع الدخول و اعتبروه عكسي....فجأة الاقيني بعد ما كنت رايح المستشفى في امان الله...الاقي نفسي ماشي ورا موتسيكل الامين عشان نروح القسم...و ف القسم ظابط قالي متخافش هتدفع غرامه و تمشي...ادخل الاقي واحد بيقولي لأ ده احنا هنخليك معانا شويه....دخلت للمأمور و ده نص الحوار :-
انا:- سلامو عليكو يا فندم....ايا كانت رتبتك بقى لوا عميد متفرقش...انا د/ رامي ابن اللوا سعيد مبروك ((يا واد يا جامد))
المأمور:- اهلا و سهلا يا بني...متشغلش بالك بالرتب...أأمرني
انا:- حصل كذا كذا....ممكن اعرف ايه الاجراء
المأمور:- و لا حاجه ابدا...دقايق هنعرض المحضر ع النيابه و هتمشي
أنا "في سري":- يا لهوي يا امه...نيابة؟!!...يا خبر اسود
انا "للمامور":- يعني ايه يعني...هتأخر و لا همشي على طول...انا مش فاضي ((حوش حوش))
المأمور "اسمه هشام بيه شعبان..وبيه دي عيب خلقي بييجي لرجال الشرطه بس" :- لا متقلقش خالص
انا:- مش المأمور هنا اسمه علي بيه كامل...هو فين...ده حبيب ابويا...
المأمور:- علي بيه في المديريه ...متقلقش و كله هيخلص
انا:- شكرا يا فندم

المهم...الواد الموظف بره كلامه معجبنيش...قالي هنحجزك صدقني...طبعا عشت عليه شويه...تحجز مين يا حيوان انت...انت مش عارف انا مين (( البق الحمضان ده))...المأمور راح مزعقله....قاله دكتور رامي يخلص و يمشي من غير ما حد يدايقه...و انا مزقطط بقى....
طلعنا ع النيابه في المديريه...واقف انا و اتنين كمان مع العسكري مستنين قرار البيه رئيس النيابه...واقفين وسط المجرمين و المساجين و الافاقين و ولاد الكلب....ايييييييييييييييييه....مضولنا نستلم عربيتنا م القسم...فرجعنا تاني....
رجعنا القسم...مضينا من ظابط المباحث....و بقالي صحيفه احوال ما شاء الله....و بقيت مجرم اد الدنيا....جه الموظف الخنيق اياه قالي العربيه باسم والدك ييجي هو يستلمها بشخصه او بطاقته او توكيل منه....انا بقى رديت بقوة لم اعهدها فيا من قبل :-
شوف بقى....ابويا اللوا سعيد مبروك مش هيدخل اقسام...و مش هجيب توكيل و لا بطاقه و مش هدفعلك رشوه و هتكتب ايصال استلام باسم ابويا و همضي انا مكان ابويا...و القانون بتاعك يمشي عليك و ع القسم كله بس مش علياااااااااااااا
زعيق يعني
زي الكلب كتب ايصال مضيت و خدت رخصي و عربيتي و مشيت... :)
الحمد لله رب العالمين....طبعا انا مقلتش لحد عندي و مش هقول...بس المشكله ان الغرامه بتعدي الالف جنيه و ابويا لما يجدد في يناير هيلاقيها و هيعرف...بس مش مهم....لما يبقى ييجي يناير بقى...و لا ايييييييييييه

موقف اخير....نقيب ورور عسل كده و ابن كلب....بين كل كلمه و كلمه بيسب الدين "استغفر الله العظيم"... واحد مواطن شريف داخل يخلص مصلحه عنده...راح طارده و هابب فيه....المواطن رد عليه و قاله انت قليل الذوق....هنا كأنه غلطت في الذات الالهيه استغفر الله....الظابط هاج و ماج و قاله هحبسك...و مسكوا في خناق بعض...و حتى مرات الراجل انضربت....
علقوا انتو ع الموقف ده...و بعدين ارد انا....
بس كده....
وحشتوووووووووووني و النت عندي مضيع شويه و حالته زفت فسامحوني لو مكنتش بزور حد بس و الله مش في ايدي...خصوصا نور و رودي و شمس النهار و استاذه محاسن....بس ادعولي اكتب حاجه جديده بقى

من البيت مش م الحبس...رامي سعيد

الخميس، 4 يونيو 2009

تااااااااج

سلام عليكووووووووووو
غياب شهر و اكتر و من جديد نلتقي....امتحانات و بتنجان و مش فاضي خالص و الله يا اخوانا....يعني مش واخد بريك نقاهه و لا زهق ولا هو زهد و لا هو إفلاس فكري....الواحد في دوامة وسنه خامسه طب دي مرض عضال مبيخفش بسرعه و معاه الواحد مبيركزش في حاجه واحده...كان عندي امتحان اطفال مثلا....تلاقي دكتور الباطنه بيلومنا ازاي مبنذاكرش باطنه...طب ازاي بس يا عم...يقولك مليش دعوه قسم وقتك....فصباح العوء يعني....و الله يا جماعه...تخيلوا...أمتحان ميد تيرم بميت درجه...بتحصل فين دي....و طبعا تأثيرها عالتقدير مقولوكوش....سواد اسود....هه...ما علينا ....هدوشكوا معايا ليه....نخش في الموضوع...

لا انا النهارده مش كاتب حاجه جديده و لا بتاع...انا لسه مخلص ميد تيرم الاطفال امبارح و لسه مفوقتش من الصدمات الكهربائيه المتتاليه دي....فجاي النهارده بتاج برنس...اهدته ليه المدونه الشديده بجد و زميلة الكفاح في الطب البشري - عمري ما التقيت بيها والله بس كلنا في الهم سواااااااء- دكتوره هابي صاحبة مدونة على بالي.... و هنا نقف وقفه...مدونة على بالي دي من احسن المدونات اللي تابعتها على الاطلاق...بحس فيها براحة نفسيه و هدوء كده إلى جانب الكتابة الأدبيه المتميزة اللي فيها....و انا ممكن اكون كاتب سئ لكني عن حق قارئ جيد و بعرف اميز الحلو من الوحش و الخبيث من الطيب....و عموما الف شكر ليكي يا دكتوره هبه ع التاج الجميل ده و هجاوبه اهو...اه بالحق...على الرغم من اني كنت مقرر ان المدونه دي بيور للقصص و مفيش اي دخائل إلا اني هحط التاج هنا لانه اساسا جه على هنا...و ده تالت تاج يوصلني في واحد من محمد غاليا حليته في حينما تكلمت...قلت و في واحد جالي من العزيزة بجد نورو ده انا مجاوبتوش و نور هتعلقني عشان هجاوب ده و مجاوبتش بتاعها...بس و الله لسه فاكره دلوقتي حالا...خليها مره تانيه بقى يا نور خليها عليكي المره دي....يالا نجاوب التاج....

اسمك؟
رامي سعيد محمود مبروك.....بطاقه شخصيه 130109

المشهور بيه وسط اصاحبك؟
رامي البرنس...ده اسم الفيس بوك...ده غير اني فعلا برنس ((خمسه غرور كده))

سنك؟
ماشي في ال22....وبعمل ايه في حياتي...ماشي في ال22

مجال الدراسة؟
طب بشري...

اسم مدونتك؟
الأفضل قصاصة ورق....و في حينما تكلمت قلت و في مراية

صورتك الرمزية بتعبر عن ايه؟
دي صورتي و انا عندي سنه إلا شويه...اه و الله

فكرت تقفل المدونه؟
لأ محصلش...بس فكرت اتوقف عن الكتابه اكتر من مره...بس انا فعلا مقل جدا في كتابتي فمفيش مشكله من وجود المدونه...اقفلها ليه يعني...ده في الاول و في الاخر بحوش فيها كتابتي و حب الناس..

رد فعلك لو حد قل ادبه عليك في تعليق؟
انا هادي عموما...و مبتعصبش ابدا...بارد فعلا و ده بيثير اعصاب اللي ادامي...لو حد عمل كده مش هرد عليه و مش هعتد بكلامه لانه لو مش نقد موضعي و مجرد وقاحه و قله ادب فده يبقى انسان مريض و من الافضل اجتنابه...

أسوأ مدونه؟
امتنع عن الرد... اعتقد اني بحترم جميع المدونين ما عدا قلة انا مبحبش كلامهم على الإطلاق و طبعا بدون ذكر اسماء..

هيحصل إيه لإيميلك بعد ما تموت؟
يبلى الجسد و تبقى الأفكار.... الأفكار اللي بتعبر عن روح صاحبها....و الإيميل هيفضل موجود...هيروح فين يعني...بس مش هيلاقي حد يأكله و ياخد باله منه....و النبي يا اخوانا خدوا بالكوا منه...ده وحداني و مالوش غيري...

إديت الباسورد لحد قبل كده؟
واحد بس...لأنه من اكتر الناس اللي بثق فيهم قاطبة....حتى لو اختلفنا مش ممكن يستغل اي حاجه ضدك...صديق بجد و إنسان قبل كل شئ....اينعم غششني تلات جمل غلط في امتحان الاطفال بس هو برده كان عامله غلط يعني مش ندالة يعني...الشخص ده صديقي الجميل راجي رجب...صاحب مدونة قد قلت ما عندي...

السفر بالنسبة لك ايه؟
مبحبوش....بكره المواصلات عموما و بتعب منها جدا....بس ممكن اسافر مع اصحابي رحلة يومين كده و ارد بسرعه عشان بحب بيتنا جدا جدا جدا...و الزقازيق بالنسبه لي اجمل مكان في الدنيا....يا ناس ده انا لما سافرت مع ابويا المانيا و انا صغير كنت بعيط عشان ارجع بيتنا...انتو بتكلموا في ايه...وطني حتى النخااااااااااااع...

المود بتاعك إيه؟
لوحدي...بيبقى الكآبه عشان مدايقش حد...مع اصحابي الهدوء و سنة مرح خفيف كده....لكن انا اميل إلى السوداويه جدا...و ده واضح في اختياري لالوان هدومي عموما....

بتعمل إيه في اوقات فراغك؟
بذاكر...لأ مش كتر دح...انا بضيع وقت رهيييييييب يعني فلما بفضى بذاكر...ولا انتو فاكرين حاجه...لا انتو افتكرتوا حاجه...

الأكلة المفضلة؟
أي حاجه متكونش طالعة من البحر...انا لا اقرب المأكولات البحرية بتاتا...و كذلك انا عكس النباتيين بشده...

الصفات اللي خدتها من والدك؟
الطيبه و الحنية ....و مختش منه الطول و القوة الجسمانيه المفرطه-لوا جيش يا جدعان-....خت من ابويا كمان حب القرايه و الثقافه...بس انا تجاوزته من زمان...هو بطل يقرا...و خت منه حب الرياضه و الفيزيا-مهندس يا اخونا خريج هندسة عين شمس سنه 72-...

الصفات اللي خدتها من والدتك؟
قوة الشخصية و إن كان شخصيتي متجيش واحد على عشره من قوة شخصية أمي - ولا الفوهرر نفسه-...و كمان خفة الدم و الهزار الشيك... الذكاء الاجتماعي و الاصول...و بسعى اني اخد منها جزء من تدينها و صلاحها و قربها من ربنا سبحانه و تعالى.... امي دي انسانه متتوصفش و ادعولي ربنا يخليهالي...

اكتر 6 حاجات بتكرهها؟
النفاق...وحش وحش وحش
الكدب...اللي بيكدب عليا بيحسسني اني ناقص و اهبل...
الخيانه....صعبه بجد
السمك...مش عارف هو ليه وحش كده
البنت الغبيه
د/ محمد الكومي بتاع الأطفال...

اكتر 6 حاجات بتحبها؟
الله و رسوله...اتمنى اني يكون عملي مقربا لحبي ليهم بجد...
الابتسامه....الطريق الملكي لكل القلوب...
الصدقو العدل طبعا...
القرايه طبعا و دي في مقدمة اهتماماتي على الإطلاق...
اي بنت حلوه...و لا تناقض مع اول نقطه فوق...ما انا شاب يا جدعان و ليا اهتماماتي برده..
اصحابي المقربيييين اوي

شخصيتك نوعها إيه؟
لانزكي احد على الله و نحسبهم كذلك.....اسيب الحكم للأحق بالحكم...مينفعش اتكلم عن نفسي بأي حال من الأحوال.....

لماذا دخلت التدوين من الأساس؟
منعا للرغي و تكرار الكلام فده لينك اخر بوست ليا في المدونه التانية و اسمه عام تدويني.....فيه بحكي عن دخلت التدوين ليه...و ده لينك تاني لبوست تاني اسمه انطلاقه جديدة حكيت فيه بصوره اكثر تفصيلا...

أهمية التعليقات بالنسبة لك؟
من أهمية المدونة نفسها.....لا تعليقات يعني لا جمهور يعني لا محبين و لا مريدين....على الأقل بشوف حب الناس و بعرف رأيهم في كتاباتي...

أحلى بوست كتبته...ضع اللينك و اذكر السبب؟
شوفوا انا هضع اللينك و مش هذكر اسباب...انتو اقروا و احكموا...طبعا انا بحب اغلب اللي كتبته بس هحط اللي انا شايفه الأفضل.....
انتحار
هو
استدعاء
انتظار
وداعا يا إكليل الزهور
حب أم حرب؟!!
خداع بصري
دمعة و فراق و لحظة حب

أفضل مدونة قرأتها؟
لأ كتير...مش هينفع اعد و لا اقول مين عشان برده ميكونش في حد عنده عشم و مقولوش فيزعل مني...الطيب احسن يا عم..

أفضل بوست قرأته؟
البوستات الأدبيه في الأغلب...

الشغل بالنسبة لي؟
لسه بدرس مقدرش اعرف حالي في الشغل هيبقى ازاي...بس انا حابب الشغلانه م الاخر

الانترنت بالنسبه لي؟
كويس...اه و الله

امرر التاج لمين؟
برده عشان الزعل ههرب زي كل اللي بيهربوا و اقول لاي حد يقراه ويحب يجاوبه يتفضل...عموما الناس بتزعل من الكلمة دي لان فيها شئ من المهانه و عدم التقدير...بس في وجهة نظري الأسوأ هو إني يكون عندي عشم في واحد و ميفتكرنيش..دي اصعب بكتييييييير

شكرا يا هبه ع التاج و نردهولك قريب و مبرووووووك ع الخطوبه و ربنا يتمم بألف خير...
سلام عليكم
رامي...

الاثنين، 20 أبريل 2009

انتظار

ينظر إلى الساعة الحائطية الكبيرة القابعة أمامه في هدوء مستفز....نعم لم يطل غيابها في الخارج لكنه يشعر ان دهرا قد مر على خروجها....تنبأنا مطفأة التبغ عن عدد اللفافات التي احرقها منتظرا....لم يكن يحرق لفافات التبغ وحدها بل كان يحرق معها أعصابه.... إلى جانب أربعة أقداح من القهوة احتساها في ساعتين ظنا منه أنه تساعده على الهدوء المطلوب في المواجهة المرتقبة...لكن العكس ما كان يحدث....لقد أحرق شمعة جهازه العصبي من الطرفين...و لكن الأمر لم يخل من قدح آخر من القهوة و لفافة أخرى من التبغ...و طفق ينتظر....
*****
هي لا تعلم أنه يعلم أنها تخونه....زوجته الجميلة الرقيقة لميس تخونه....لم يزد الأمر عن مصادفة سيئة هي التي قادته إلى هذا الكشف البغيض....لم تكن لميس بالدار...و شعر هو بصداع شديد فبحث عن دواء المسكن المستورد الذي تخفيه لميس في دولاب الملابس لتلك الظروف...ِشأنها شأن كل النساء...دوما ما تخفي الأشياء في مواضع مستعصية لأن الرجال أطفال أشقياء لا يفعلون شيئا سوى إضاعة الأشياء المهمة....هكذا طفق يبحث عن الدواء لكنه اصطدم بكومة غريبة من الخطابات....لم ير تلك الخطابات من قبل....لم ينتظر طويلا و شرع يقرأها....و لم يحتج الأمر لكثير من ذكاء....لميس تخونه....خطابات غرامية كانت مليئة بالشوق و اللوعة....حب و عواطف و تساؤلات و أشواق و أشياء أخرى تتعلق بطهارة الجسد و عفته التي لم تحفظ....لميس تخونه....و خيانة فجة وقحة....للحظة شعر بأن الأرض تميد به و شعر بأنه يغيب عن الوعي و ينحسر عن الواقع....حتى الصداع نسيه....و تهاوى -هو لا الصداع- على أقرب مقعد و أخذ يفكر....
*****
تساؤلات كثيرة كان يساءل نفسه بها و تحققت إجابتها في تلك الخطابات....ما سر شرود لميس المستمر نهارا و سهادها الدائم ليلا؟.... ما سر زيارات لميس الليلية إلى دورة المياه و تجلس بها بالساعات تبكي و يسمع نشيجها و أناتها يوميا؟.....لماذا تمتنع لميس عن لقاءه بالفراش؟....ما سر الفتور الذي أصبح سمة التعامل الرسمية بينهما؟....كلها تساؤلات شغلت باله لأيام عدة ثم عرف الحقيقة فجأة....وليته لم يعلمها....لميس تخونه....يستطيع أن يتصور أن يتكلم الحجر أو أن تصير الشمس زرقاء و يصير البحر أسود...لكنه أبدا لا يستطيع تصور خيانة لميس...هكذا قام من مجلسه و شرع يقرر...
*****
هكذا نجده منتظرا عودة لميس بفارغ الصبر ليواجهها بما اكتشف....لقد حاول لعدة أيام أن يؤجل تلك المواجهة لكنه لم يعد يطيق صبرا...سيواجهها اليوم و يعرف منها الحقيقة كاملة....فقط عليه أن يحافظ على هدوء أعصابه و رباطة جأشه.... و هو الأمر الذي لم تفلح فيه جبال التبغ و أطنان القهوة التي احتساها...بل زادت الأمر سوءا....
*****
حينما فتحت لميس الباب و دخلت...لم يدر هو ماذا يقول و لا كيف تكون الجملة الافتتاحية....فجأة لم يجد كلمات....تطايرت الأفكار كلها حين رآها مرهقة منهكة الجسد....قدر في نفسه أن العواطف اليوم مع عشيقها كانت في القمة....لم يجد ما يواجهه بها في صورة كلمات....اندفع من فوره إلى المطبخ و استل سكينا حادا محترما و من دون كلمات اندفع إلى حجرة النوم حيث دخلت و انهال عليها طعنا و هو يردد في هيستيريا " يا خاينه يا كافره"....و لم يتركها إلا و هي جثة هامدة....
*****
وقف في منتصف الحجرة لا يدري ماذا فعل و ماذا يفعل و ماذا سيفعل....ناظرا إلى جثة إمرأته الغارقة في دمائها...لكنها تعلم بالتأكيد لماذا قتلها....فجأة سمع دقات على الباب...اضطرب لحظات و حاول تجاهلها...لكن الدقات استمرت فتوجه إلى الباب ليفتحه عازما على التخلص من الطارق مسرعا ليرجع ليفكر في مصيبته....فتح الباب فطالعه وجه نشوى صديقة لميس و ربيبتها الأثير....ارتبك حين سألته عن لميس لكنه تماسك و أخبرها أنها لا تزال بالخارج و بالطبع لم يدعها للدخول....فكرت نشوى قليلا و بان عليها التردد قبل أن تقول" طب...ممكن تجيبلي أمانه كنت شايلاها عند لميس...هي قالتلي انها شايلاها في الدولاب و اني لو جيت و ملقيتهاش اقولك عشان تجيبهوملي....هما مجموعة جوابات خاصه بيا كده".....
*****
لم يرد....تركها و توجه مسرعا إلى الغرفة....بحث في الدولاب و أخرج الخطابات....لكنه اصطدم بمجموعة أوراق....طالعها مسرعا فهاله ما اكتشف....كانت مجموعة من التقارير الطبية و منها عرف أن سبب شرود زوجته و بكائها و سهادها لم يكن الخيانة و لا الحب...بل كان المرض....فلميس الرقيقة كانت تعاني من السرطان و أخفت عنه كي لا تصيبه بالهم....وقف عاجزا شارعا بالانهيار الكامل....ليته انتظر قليلا وواجها....ليته لم يتسرع....قد ارتكب خطئا لا يكفي ندم الدنيا لإصلاحه..... قبل ان يقترب من جثة زوجته و حبيبته و ارتمى عليها و هو لا يكاد يراها من فرط الدموع التي أغشت عيناه....و بصوت مبحوح من أثر البكاء قال لها "سامحيني"....ثم نظر إلى جوارها فوجد السكين الذي اغتال به زهرة حبه....أمسك بها و رفعها في الهواء....و تلك المرة لم ينتظر....لم يفكر لحظة في الانتظار....
*****

كنت عاوز اسمي القصه دي سوء تفاهم بس كانت هتبقى محروقه فقلت اسميها كده.... وكنت عاوز اختمها عند كلام نشوى المفاجئ ليه... و فكرت كتير اقف ولا اكمل...فقلت اكمل...و اللي حابب ايا من النهايتين اهم موجودين....بس انا حبيت انهيها كده لأن الموت هو العلاج الوحيد للندم اللي كان هيعيش فيه...اعتقد القصه دي افضل م اللي فاتت من وجهة نظر شخصي المتواضع...دمتم بكل ود و محبه وخير...
رامي سعيد

الثلاثاء، 14 أبريل 2009

رسالة إلى محمود

لك يا محمود جردت قلمي.... لك يا محمود شحذت عواطفي.... لك يا محمود استرجعت ذكرياتي.... لك يا محمود بسطت أوراقي.... لك يا محمود اذرفت دمعاتي.... لك يا محمود اكتب هذه الرسالة...
*****
ابعث برسالة إلى محمود اقول له فيها:- اتذكر يا محمود طفولتنا؟!....أتذكر قريتنا؟!!...تلك القرية التي عشنا بها أسعد لحظات حياتنا و أجمل نسمات عمرنا....طفولة مشرقة كانت....أتذكر عم صلاح العجوز....نضايقه و نضايقه ثم ينهض فيسبنا فنجري خوفا و هلعا ثم نعود فيبتسم إلينا و يقدم لنا الحلوى و يحكي لنا قصته مع جنية الترعة و شبح المأمور الشرس...ثم يصيبنا الهلع فنتسول إليه ليتوقف و لا يتوقف فنجري عائدين إلى ديارنا نرتجف و نندس تحت أغطية الفراش نترقب خروج الجنية من مكمنها و ظهور الشبح في موعده....ننتظر و نترقب...طال الانتظار و لم يظهر الشبح و لم تخرج الجنية....
*****
ابعث برسالة إلى محمود أقول له فيها:- أتذكر يا محمود ميعة الصبا؟!....كنت أنت أخفنا جسدا و كنت أمهر من كل الصبية في لعب الكرة....كنت سريع الحركة خفيف الجسد....كم تسلقت شجرة التوت الوارفة المطلة على دار العمدة لتجلب لنا -انا و انت - بعضا من ثمارها الندية....لم تكن كثير الضحك و لم تتعود أن تشكر أحدا....لكن هل تذكر واقعة الدراجة؟!!....حين سرقت انت دراجة الشيخ سلامة شيخ الكتاب....عرفت أنا انك انت السارق لكن احدا لم يشاهدك غيري و غير الأسطى فاروق ....حتى هو لم يشاهدك جيدا و لم يستطيع البت إن كان انت السارق ام لا.... اتذكر مجلس القرية العرفي من اجل محاكمتك استنادا على شهادة فاروق المنقوصة.... كنت اعلم انك انت السارق لكني نهضت و اعلنت انك يومها قضيت الليل بأكمله عندي و من المستحيل ان تكون انت الفاعل....فأعلنوا حكما فوريا ببراءتك....لحظتها لم اهتم بشهادة الزور....لحظتها لم اهتم بجحيم الآخرة....لم اهتم سوى بتلك النظرة التي أطلت من عينيك....نظرة الامتنان...
*****
ابعث برسالة إلى محمود أقول له فيها:- أتذكر يا محمود مراهقتنا التعسة ؟!....اعترف انك ابتعدت عني كثيرا إبانها....كثرت أسفارك الغامضة إلى المنصورة....دائما هي المنصورة....تغيب أسابيعا ثم تعود لتحكي لي و لمراهقي القرية مغامراتك مع نساء المنصورة و فتياتها....و كأنك خرجت لتوك من عوالم يوسف أدريس الساحرة....كنت تحكي و تسترسل في الحكي....الكل يصدقك و تتسع أعينهم انبهارا بما تقص....إلا أنا....لم أصدقك يوما....أتذكر حين سافرت معك مرة إلى المنصورة....يومها التقينا بمن ادعيت أنه صديقك و يدعى أحمد إبراهيم....سرنا ثلاثتنا سويا....حينما رأينا فتاة جميلة متناسقة الجسد تجلس على الكورنيش النيلي الخلاب....نسمة هواء لم تكن بالرقيقة ازاحت ثوبها فكشف عن ساقيها و ما زاد....ثم لفظة غزل نابية خرجت منك....اتبعها غضب من أحمد إبراهيم و هو ينهال عليك باللكمات قائلا " دي اختي يا ابن الكلب"....لم استطع ان اخلصك منه....لكني تلقيت عنك الضربات....
*****
ابعث برسالة إلى محمود أقول له فيها:- أتذكر يا محمود سنى شبابنا؟!....سنى الحب و العاطفة....سنى الطموح و إثبات الذات....كنت أحب نجلاء ابنة الحاج ناصر المسراطي إمام مسجد القرية ذو الأصول الليبية....كانت آية في الجمال و الرقة....أنشودة تغنى بها عندليب الليل الشجي....عطر يفوح من زهرة عذراء تتفتح....كنت أحبها....نجلاء الذكية المثقفة و والدها رجل مستنير أتاح لها فرصة الدراسة الجامعية على عكس كل بنات قريتنا المتخلفات....كنت أحبها....لكني توقفت عن هذا الحب و عزفت عنه....لماذا؟....لأنك أخبرتني إنك تحبها....هكذا تنحيت عن المنافسة....صحيح أنني جامعي مثلها و أنت لم تحصل سوى على مؤهل متوسط و بصعوبة....لكنني تنحيت....لم أتحمل فكرة خسارتك من أجل حب لم تتضح معالمه.... و لكن أتذكر يوم خطبتها؟!....شاب مثقف ثري جامعي و ابن عائلة كان خطيبها....أتذكر يوم التقيتهما؟!...حينما تقدمت منها و صارحتها بحبك أمام خطيبها و جن جنونك و أنت تخبرها بأنك رجل مثله بل أفضل منه و أنك الأحق بها....استشاط الخطيب غضبا لكنه لم يتكلم....لكن نجلاء الذكية ابتسمت في هدوء و أشارت إليك و أشارت إليه و قالت " و هل يستوي الثرى و الثريا !!"
*****
ابعث برسالة إلى محمود أقول له فيها:- أتذكر يا محمود ذلك اليوم؟ّ"...يوم جئتني ليلا لتودعني....متعجلا كنت و أنت تخبرني بأنك اخترت الهجرة إلى إيطاليا من أجل تحقيق الذات....دامعا أوصيتني بأهلك خيرا حتى تحين عودتك المظفرة....حاولت إثناءك فلم استطع...كنت انت عازما و كنت بالفعل مصرا....تركتني و اتجهت إلى حيث نويت....و كان كل تفكيري وقتها...هل ستصل بالفعل إلى إيطاليا....أم يضل القارب الغير شرعي الطريق و يرسي بك في مالطة....
*****
ابعث برسالة إلى محمود أقول له فيها:- أتذكر يا محمود تلك القصاصة الورقية؟؟....تلك التي اقتطعتها أنا من إحدى الصحف بتاريخ لا أذكره و لا أريد....خبر صغير حجما كبير مقاما أنبأنا بغرق قارب للهجرة الغير شرعية إلى إيطاليا....و أمهروا الخبر بتوقيع أسماء الوفيات الكادحة....و كعادتك فشلت حتى في تصدر قائمة الوفيات....و جاء ترتيبك السادس عشر بين حوالي الثلاثين....حينما رأيت اسمك بينهم لم أفكر سوى في شئ واحد....هل دفنت حقا....أم صرت وجبة شهية للأسماك؟!....
*****
ابعث برسالة إلى محمود لا أقول له فيها شيئا....لأنه لن يقرأها.....
*****


الأحد، 8 مارس 2009

و هكذا رحلت مريم

منذ أن بدأت عيناي في الرؤية....منذ أن بدأت أذني في السمع....منذ أن بدأ قلبي بالحس...و أنا أحب مريم....مريم الملاك....مريم الرقة....مريم الجمال....مريم البراءة....مريم الحنان.... مريم الحب...و إليك صديقي أروي لك إحدى روائع العشق...
*****
كنا كأسرة من الطبقة المتوسطة نقطن في شقة متوسطة في بناية متوسطة في ضاحية متوسطة في منطقة متوسطة.... لله الحمد لم نعان الفاقة في أي وقت من حياتنا....كنا مستورين بما تحمل الكلمة من معان... أبي موظف محترم في الشهر العقاري و أمي معلمة.... لي أخ و أخت يصغراني في السن....و نحن بفضل الله أسرة محبوبة من الجميع....أبي رجل محترم متزن وهبه الله الحكمة و القول السديد... و أمي إنسانة ذكية مجاملة تحترم الغير و تقدر الجيرة....لذا كان من الطبيعي أن تنشأ علاقات طيبة مع الجيران و خصوصا أسرة الأستاذ ملاك حنين و حرمه السيدة فيوليت....قوما محترمين كانوا....و كنت أميل إليهم كثيرا و بشكل خاص ابنهم مينا و ابنتهم التي بالتأكيد خمنت أنها مريم...
*****
طفولة جميلة تلك التي عاشها ثلاثتنا....مريم و مينا و أنا.... مينا كان في مثل عمري و كان نعم الصديق.... أما مريم فكانت تصغرني بعامين... كانت في مثل سن أختي و إن لم تنشأ صداقة بينهما....فنحن بشر و لسنا أحجار متراصة....هكذا ترانا نلعب سويا كل يوم....يصور لنا خيالنا الطفولي البرئ الكثير....نخترع و نبتكر و نستمتع....نجري و نجري و نجري بلا سبب مفهوم و لا غاية محددة....ثم ينهكنا التعب فنعود مع ظلمة المغرب إلى ديارنا مشعثين مغبرين....مرهقين لكن سعداء....
*****
كبرنا جميعا....وصلنا لسن المراهقة....لذا تم حجب مريم عن عالمنا الذكوري و بقت صداقتي بمينا كما هي... نضجت مريم....نضجت جمالا و رقة و عقلا ....فالفتيات ينضجن قبل الفتيان كما تعلم....ففي الوقت الذي ندبر فيه المكائد لبعضنا و نتصارع و نمرغ أجسادنا في الوحل قتالا...تجد الفتيات يحلمن بالغد و ينسجن الروائع و ينظمن الشعر .... لذا نضجت مريم... و كان الحب بداخلي قد نما....نما إلى درجة لم أعهدها....طبعا كنت أحبها منذ الصغر لكن في تلك الفترة اللعينة التي تشتعل فيها عواطفك وصل الحب إلى أبعد مدى....تخيل صديقي أنها حينما سافرت للاصطياف مع أسرتها مرضت و أصابتني الحمى.... نعم أحببتها لكني كنت أعقل كثيرا من أن اندفع لأخبرها....و آثرت الانتظار....
*****
كبرت أكثر و دخلت الجامعة....كنت طوال تلك الفترة أحب مريم في صمت و لم أتبادل معها كلمة واحدة منذ الطفولة...فقط تحية عابرة مع ابتسامة رقيقة مجاملة حينما تراني صدفة في شرفة داري المواجهة لشرفتهم....نعم طوال تلك الفترة كانت الابتسامة تكفيني...و كنت قانع....حتى دخلت هي الجامعة....حينها علمت من مينا أن مجدي ابن خالته مارسيل يود أن يخطب مريم...لك أن تتخيل موقع قلبي في جسدي حينما سمعت تلك الكلمات....لقد هوا إلى ساقي...لكن مينا نفسه كان رافضا تلك الخطبة لان مجدي على حد قوله " واد صايع كده و مش بتاع مسؤولية....مش ممكن اديله اختي"....و قابلت كلامه بالصمت مع أن كل ذرة في كياني تقر بالموافقة و تؤمن على كلامه....و أضمرت في نفسي أمرا...
*****
كنت أعلم طريق عودة مريم من الكنيسة يوم الأحد....فهي متدينة و لم تترك قداسا منذ بلوغها... هكذا انتظرتها في إحدى الشوارع و استوقفتها....لا اتذكر ماذا قلت لها...فأنا أساسا لم أسمع...لقد كان صوت ضربات قلبي أعلى من صوت حنجرتي....لكني لاحظت تورد وجهها الصبوح بحمرة الخجل....فهي على حد قولها أول مرة تسمع اعترافا صريحا بالحب.... وكعادة الفتيات طلبت مهلة للتفكير....و هي الحيلة التي يتعلمنها في الرحم و يرددوها منذ المهد....و بالطبع وافقت و اتفقنا على موعد آخر في نفس المكان بعد اسبوع من تلك اللحظة الخالدة....
*****
حينما أخبرتني أنها تبادلني الإحساس لم أصدق نفسي....مريم تحبني....مريم الملاك تحبني.... و توافق على الارتباط بي....و بدأت مع مريم قصة حبنا الأسطورية....كنت ألقاها كل يومين في الجامعة...نجلس سويا نتحدث....نختلس ساعة من الحب الصادق....نسرق لحظات من العشق الجميل...نحلم سويا...نفرح سويا....نحزن سويا....كثيرا ما كنا نفكر في العقبات الكثر في طريق ارتباطنا الأبدي....عقبات مادية و اجتماعية و مستقبلية....تارة كانت تبكي و أهدئ من روعها و اطمأنها باننا لازلنا سويا....و تارة أتجهم أنا و تهون هي علي...كانت لي السند وكنت لها العون....كانت لي الراحة و كنت لها الأمان...كانت جميلة...كانت ذكية...كانت طموحة....و كانت –تخيل-تحبني....
*****
بمجرد أن تخرجت أنا و نجحت مريم في عامها الدراسي...حتى اتخذنا قرارنا....يجب أن تفاتح مريم أهلها في موضوع ارتباطنا....و تركت لها مهلة الأسبوع حتى تأتيني بردهم.... و لم يمر الأسبوع و جائني الرد...
*****
فاجأني صوت أمي و هي تقول "هو الأستاذ ملاك و جماعته ست فيوليت بيعزلوا ولا إيه؟!"... نظرت إلى أمي مبهوتا و لم أرد....اندفعت إلى الشارع و رأيت العمال يحملون الأثاث إلى سيارة نقل كبيرة....رأيت الأستاذ ملاك يشيح بوجهه عني....مريم دامعة العينين....مينا يقترب مني و يقول "مقدرش على بعدك يا صاحبي....بس انت مسبتلناش خيار تاني....احنا هننزل إسكندرية عند أهل أبويا...و مريم هتحول للجامعة هناك....اشوف وشك بخير...يا صاحبي"... لم يكد ينهي عبارته حتى ركب سيارتهم الصغيرة و انطلقوا خلف سيارة الأثاث...و لم تمض سوى دقيقة حتى غابوا عن ناظري....
*****
كنت أعلم أسباب رفضهم ارتباطي بمريم.... وكنت أعلم سبب رحيلهم...سبب بسيط جدا....هي اسمها مريم ملاك حنين.... و انا اسمي محمد مصطفى السيد....لكن هل هذا سبب كاف للرحيل....هل هذا سبب كاف للفراق؟!...
*****
و هكذا رحلت مريم.... لم أعد أراها.... لم أعد اسمع عنها....لم أعد أعرف أخبارها....لقد رحلت مريم....لكن معها لم يرحل الحب....

الخميس، 12 فبراير 2009

دبلة و كتاب و فنجان قهوة

يدخل إلى المقهى...هو ليس مقهى بالصورة المعروفة للمقاهي...هو كافتيريا أو كافيه إن صح النعبير....يدخل....ممسكا بكتابه الأبدي الذي لا يمسك غيره....بخطوات الواثق مما يفعله أو خطوات من فعل ذلك مرارا يتجه إلى الطاولة الشاغرة في الركن...إلى جوارها زجاج النافذة المغلقة إلى الأبد...يجلس...يضع الكتاب أمامه....يسند رأسه على راحة يده....ينظر إلى الشارع الهادئ من النافذة المغلقة....و يشرد ذهنه...و يذهب في عالم من الماضي...
*****
يتذكرها....يتذكر سنى الحب الأولى....يتذكر اللقاء الأول...صدفة خطط لها القدر و جمعتهما معا...يتذكر إعجابه الأولي بها....يتذكر خفقان قلبه لها....ثم تطور الإعجاب...صار هياما...صار شرودا ليليا...ثم صار حبا جارفا....يتذكر أول مره اعترف لها بحبه....كانت في نفس الكافيه الذي يجلس فيه الآن....يتذكر تورد وجهها الصبوح بحمرة الخجل....يتذكر تلعثمها في القول و تعثرها في الرد....يتذكر أيام الارتباط الأولى....يتذكر خططهما و أملهما في مستقبل مبهر و غد مشرق...يتذكر أحلامها التي كان عمادها لؤلؤ محشو بالمرمر و مكسو بالحرير....يتذكر كيف كان يختطف قبلة سريعة من وجنتها الرقيقة....يمسك بيدها البضه الندية...يهمس في أذنها "بحبك يا نرمين"....تبتسم في خفر قبل أن تقول في رقة " أنا أكتر"
*****
يخرجه من خواطره صوت النادل و هو يقول "قهوة كالعادة يا فندم؟!"....يهز رأسه في عدم اكتراث أن نعم....و من ثم ينصرف النادل....لم يتعجب من كلمة كالعادة....فلقد مضى شهرين كاملين و هو يأتي هنا كل يوم في نفس الموعد و لم يغير أبدا مطلبه...كل مرة يطلب قدحا من القهوة....حتى صار سؤاله نوعا من الروتين ليس إلا....يعود إلى شروده....يبحر في بحر خواطره....يتذكر يوم خطبتهما....يتذكر اعتراض أبيها و أمها على خطبتها من شاب في مقتبل العمر لا يملك حتى تكلفة حياته ولا قوت يومه....لكنها تمسكت به و وقفت في وجه الجميع و هي تردد "مش هتجوز غير يوسف...حتى و لو متجوزتش خالص"....و لم يملك الأهل سوى الانصياع لرغبتها....يتذكر الدبلة الذهبية التي أحاط بها بنصرها الأيمن...كانت هي الشاغلة الذهبية الوحيدة التي ابتاعها لها... و كانت راضية...قانعة بالحب و مكتفية بالعشق....كانت أحيانا تغضب من تراخيه في البحث عن مسكن و أثاث و مال....كانت تتشاجر معه.... و يتذكر –لعجبه- كيف كان يحب شجارها معه...كانت حينما تغضب تتورد وجنتيها و يخرج صوتها مخنوقا بالبكاء كالأطفال قبل أن تتنهد في عمق و تطلق زفرة حارة ... كان يقابل ثورتها في هدوء....كان يشعر أنها طفلته....ينتظر حتى تهدأ تماما ثم يطلق دعابة فتضحك فيطمئن إلى أن الطريق الملكي إلى قلبها ممهد و معبد....من ثم يلثم وجنتها الرقيقة معتذرا قبل أن يمسك كفها الأملس و يهمس على أذنها "بحبك يا نرمين"...ترد في تدلل" و أنا كمان"
*****
يرتشف جرعة من القهوة المركزة التي أحضرها النادل و ينظر إلى الكتاب الذي لم يقرأه قط لكنه يحتفظ به على سبيل الذكرى..فقد كان أول هدية يتلقاها منها....يتنهد من الأعماق قبل أن يعود لسبر أغوار الذكريات....يتذكر التبدل المفاجئ الذي طرأ على علاقتهما....لم تعد رومانسية حالمة كعهده الدائم بها...بل صارت دوما تذكره بالماديات...زاد الشجار و زاد ضغط الأهل....كثيرا ما كان ينجح في قمع غضبها المتأجج و كان يعرف كيف يهدئ من ثورة أهلها... و كعادته كان يتحمل ثورتها في صبر قبل أن يمارس طريقته المعهودة في تهدئتها قبل أن يهمس في أذنها "بحبك يا نرمين"...لكنها لم ترد...
*****
يتذكر آخر لقاء بينهما كأنه كان بالأمس....نرمين تقابله في ميدان عام على عكس كل لقاءاتهما الهادئة....تتكلم و تتكلم....تعبر عن سخطها على تراخيه و ضيقها من بلادته....يتحمل ثورتها و يقمع غضبه الشخصي المغلف بشعور بالعجز و المبطن بأنهار من الضعف....تتكلم و تتكلم قبل أن تخلع الدبلة عن بنصرها الأيمن و تناوله إياها و هي تقول " دبلتك اهه....احنا مش لبعض يا يوسف"...ثم ترحل في صمت...يراقبها و هي تعبر الطريق...تعبره في جمال زهرة تفتحت لتوها....تعبره في رشاقة غزال خرجت من الأدغال....تعبره في خفة لبؤة تنقض على فريستها....راقبها إلى أن عبرت الطريق...لم تلتفت إلى الخلف قط...ينظر إليها و إلى الدبلة غير مصدق قبل أن يغمغم في حزن " بس أنا بحبك يا نرمين"....لكنها لم تسمع...
*****
يرشف رشفة أخيرة من قهوته و ينظر بلا اكتراث إلى كتابه....ثم يخرج الدبلة التي احتفظ بها منذ هذا اليوم..احتفظ بها لينظر إليها كل يوم و يتذكرها رغم أنه أصلا لم ينسها....لقد مضى ما يقرب من الشهرين على آخر لقاء و هو بعد يعيش في ألم....ينظر من النافذة....ثم يخفق قلبه في عنف....أنها هي...نعم هي....تمشي مع أحدهم....تتأبط ذراعه و تضحك في مرح....أنه يقترب من أذنها و يهمس...يمسك بكفها الناعم...يداعب شعرها البني المنسدل...أبهذه السرعة نسته؟!...أكان كل هذا الحب وهما؟!....هل عاش حلما و أفاق على كابوس؟....خفق قلبه في عنف....زفر زفرة حارة...من عينيه نزلت عبرة حارقة....ثم نهض....تحرك صوب الباب كالمرنح و غادر المكان....غادره و هو يعلم أنه لن يعود إليه ثانية....و على الطاولة ترك وراءه كتاب و قدح قهوة و بعض المال و... و دبلة دهب..

الثلاثاء، 3 فبراير 2009

موعد السبع سنوات

لا أحب العمل الليلي قط.... إنه أشبه بساعات من التعذيب المتواصل الذي لا يرحم.... عذاب اسمه الملل.... عذاب شيمته الصمت.... كنت أعلن للجميع جهرا أني ذاهب إلى العمل.... و أعلن لنفسي سرا أني ذاهب إلى الملل....العمل الليلي....كم أمقته....
*****
كنت أعمل في صيدلية د\نجدت رزق الله .... لم يكن رجلا لطيف المعشر...لكنه ليس بالشخص السيئ.... لكن أسوأ ما في الأمر كان وجود الصيدلية في قرية ريفية مصرية أصيلة تدعى "ميت أبو علي".... كئيبة كانت تلك القرية....صامتة هادئة حزينة متوجسة خائفة....لا سيبل فيها للمرح سوى ذلك المقهى المتواضع القريب من الصيدلية و الذي يغلق أبوابه مع تمام العاشرة مساءا.... عتيقة كانت تلك القرية....قديمة بالية مظلمة متخلفة نائمة....لكني و للأسف كنت بها و أعمل....
*****
لم أعمل هناك سوى منذ شهر تقريبا.... كنت باختصار وافد جديد على تلك البلدة و لم أتعرف عليها و لا على تاريخها بعد...و العمل الليلي أساسا لا يتيح لك رفاهية المعرفة و لا يمنحك متعة العلم....كنت أشغل نوبتجية الليل في تلك الصيدلية التي لاتنام و تقدم خدمتها على مدار أربع و عشرين ساعة لأشخاص وهميين....أنا صيدلي؟!!....لا لست صيدليا.... أنا أحمل شهادة متوسطة و لكني لم أجيد شيئا سوى العمل في الصيدليات منذ تخرجي....إن الأمر يعتمد فقط على الخبرة و يتجاوز حدود الشهادة الجامعية العقيمة....لكني مع خبرتي الغير قصيرة كنت أمقت العمل الليلي....حيث الزبون الواحد كل ساعتين و حيث لا تجد من تتحدث إليه....نعم يأتيك زبون يبتاع شيئا ما ثم يثرثر معك في كل ما لا تفهمه أنت و لا يفهمه هو....ثم يتنهد و يزفر و يحييك و ينصرف.... و تنصرف معه كل معالم الدفء البشري حتى و لو كان أحمق....
*****
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بقليل....حينما دخل علي ثلاثتهم....اثنان صحيحان و يستند إليهما ثالث مصاب بشدة.... لم أتكلم و لم يتكلما....الصورة أبلغ من أي تعبير....و غلب الفعل القول....صامتا قمت بعملي و ضمدت جراح هذا المصاب على القدر الذي تسمح به خبرتي.... لم يكن يقوى على الكلام....جروح في رأسه و أماكن متفرقة في جسده....اي حادث فعل به هذا....التفت إلى الاثنين الآخرين و سألتهم.... فأجاب أحدهم في ذعر و قد اتسعت حدقتا عينيه " لقد كنا في بيت البدراوي حينما ....."... لكن نظرة صارمة من الشخص الآخر منعته من الاسترسال....و اضح أنه قائد المجموعة....لم أستكمل الحديث و لم أتقاضى أجرا و رحلوا من حيث أتوا....رحلوا لكنهم تركوا لي تذكارا بسيطا....تركوا لي الحيرة و القلق....
*****
بيت البدراوي....شرعت أفكر في هذا البيت....منذ أتيت إلى هذه القرية و أنا أسمع أقوالا مبعثرة عن هذا البيت...لم لم يسكنه أحد رغم أنه يعتبر تحفه معمارية و مهجور منذ أكثر من خمسين عام؟!!....لقد تناثرت الأقاويل حول أشباح تجوبه ليلا و شبح منتقم يبحث عن ضحايا و كلام من تلك الترهات...لا لم يكن الأهالي يرددون الآيات أو يرسمون الصليب حينما يمرون بجواره...لقد كان منزل مسالم جدا لكن الأساطير تنتشر و تتناقلها الأجيال...المصريون عموما يحبون حكايات العفاريت و يتمتعون بخيال خصب...و حينما تسأل أحدهم هل رأى عفريت يوما يجيبك بتحد"لم أر... ولكني سمعت".... و إذا سألت كل المصريين نفس السؤال ستجد نفس الرد حتى إنك تتساءل عن هذا المعجز الذي رأى العفريت و أسمع به كل البشر....لكن هل بالفعل بيت البدراوي هذا مسكون.... وهل بالفعل كان هؤلاء الثلاثة بداخله حينما حدث لهم شيئا ما أصاب أحدهم أم ماذا حدث لهم بالضبط؟!!...أفكار كثيرة دارت برأسي قبل أن تطير مع ما يطير...
*****
عم "خليفة" الخفير العجوز يجوب القرية ليلا....هو ليس خفيرا يثير الرعب في القلوب قدر ما يثير الشفقة....كانت القرية تعتمد على النظام الناصري في الحراسة....ذلك النظام الذي يعتمد على ساعات معلقة تُملأ كلما مرت ساعة...حيث توجد ساعة في كل شارع يجب أن تُملأ ...فبفكرة حسابية بسيطة جدا توجد حوالي ست ساعات في كل منطقة موزعة على ست شوارع أو حارات....و على الخفير ملء تلك الساعات كل ساعة و إلا عوقب....فهكذا تضمن أن الخفير يمر على الشارع مرة كل ساعة حيث يجب أن يملأ ساعة كل عشرة دقائق....فبذلك يقضي الخفير ليلته و هو يجوب الشوارع و يحمي الناس و لا يقضي الليل في النوم أو تدخين الحشيش....نظام رائع بالفعل....لم تكن القرية تعتمده بالمعنى الحرفي...لكن عم"خليفة" كان يستخدمه ليحمس نفسه على العمل و تكون له ذريعة في أن يجوب الطرقات ليلا.... فبرغم كبر سنه و شيخوخته التي لا ريب فيها إلا إنه كان عاشقا للعمل كارها للراحة....لكن السن له أحكام...فأدخل بنفسه بعض التطورات على الساعات بحيث يملآها كل ثلاث ساعات ليس كل ساعة....عبقري نشيط هذا العجوز... وله دور مهم في نشأة هذه القرية....
*****
كانت الساعة قد جاوزت الواحدة و النصف حينما رأيت عم"خليفة" العجوز يأتي من بعيد...بمشيته البطيئة المتأنية....حياني بابتسامة لطيفة ثم واصل طريقه قبل أن يتوقف و يعود إلي ثانية ...نظر مليا في وجهي ثم قال " أنت غريب...أليس كذلك"...رددت بتثاقل "بلى...وجديد كذلك...لم أمضي هنا سوى شهر واحد"....نظر إلي العجوز مليا قبل أن يقول "إذن لا تعرف ماذا ينتظرك"...ثم أردف " أعد لنا كوبا من الشاي....لا أحب أن يحدث مكروها لمن هم مثلك"....أعددت الشاي الدافئ على عجل و ذهني مشتت بما قاله العجوز.....و مع أول رشفات الشاي الساخن شعرت بالحياة تتدفق في عروقي من جديد لاستعد لسماع كلمات العجوز المظلمة في هذا الشتاء القارس....أخذ العجوز نفسا عميقا ثم قال" أنت سمعت أكيد عن بيت البدراوي"...لم ينتظر الإجابة مني و أردف" البدراوي بك لم يكن شخصا سيئا على الإطلاق....مهيبا كان...قويا كان...لكن قاسيا لم يكن....كان من أرباب الملك و من كبار أعيان البلد.... يمتلك ما لا يمكن حصره...أملاكه في كل مكان لكنه كان يعشق ذلك المنزل هنا و يقيم فيه معظم الوقت.... زوجته رائعة الجمال لكنها كانت ذات أصول تركية فكانت تتعالى كل شئ و لم يحبها أحد قط...ابنه كذلك كان نسخة من أمه...بل أسوأ....أما ابنته فكانت قطعة من الجنة...جميلة و رقيقة و عطوفة و حنون...كل ما هو جميل كان بها....كنت أنا الحارس المقرب للبك...و زاد اقترابي بعد أن أنقذته من موت محقق على يد أحد الفلاحين الذي اغتصب البك أرضهم بطريقة الإقطاع.... كانت حياة مستقرة حين اشتعلت الثورة و تحولت المملكة إلى جمهورية و صادرت الثورة كل أملاك الإقطاعيين...لم يتحمل البدراوي بك...جن جنونه و استل مسدسه ذات الست طلقات و من خارج الدار سمعنا سمعنا دوي الرصاص و بعد دخولنا رأينا ستة جثث... زوجته و ابنه و ابنته الملاك و ثلاث من الخدم....ووقف البك يضحك كالمجنون....قبض الفلاحون عليه ثم أعدم البك....و من يومها و بدأت الأسطورة...شبح البك يظهر و يحيل حياة من يقابله جحيما... كثيرون سكنوا البيت لكنهم تركوه سريعا... وتناثرت قصصا حول شبح منتقم و شبح ضحايا....ثم هدأت الأحداث و صار ظهور الشبح مقنن....صار يظهر كل سبع سنوات"....صمت العجوز أخيرا و كنت أنا لازلت أحاول هضم كل ما قاله قبل أن أقول " و لماذا سبع سنوات"... ابتسم العجوز قبل أن يقول " و لماذا السماء زرقاء و لماذا الشجر أخضر... إنها قوانين وضعت و لا دخل لنا بها"....ثم أردف" بالمناسبة...اليوم هو الموعد.... فقررت أن أحذرك...ألم تلحظ أن البلدة خالية منذ التاسعة...كلهم قبعوا في ديارهم في انتظار أن ينتهي هذا اليوم المشئوم....على العموم هو لا يظهر قط قبل الثالثة صباحا و الساعة الآن الثانية و الربع...أمامك فرصة للهرب و أمامي فرصة للذهاب إلى داري"....قال العجوز كلماته الأخيرة و حياني و أنصرف.... كان رد فعلي غريب جدا...لم أتوقعه أنا نفسي...لقد ضحكت كثيرا جدا...ها هي أكذوبة أخرى يصدقها الناس....و يتناقلوها من جيل إلى الآخر....تبا للجهل و الجهلاء و مرحى بالعلم و هنيئا لمن حصلوا عليه....
*****
"عمرك شفت عفريت قبل كده؟"....."لأ..بس سمعت أن في ناس شافوه"
*****
كانت الساعة تشير إلى الرابعة....كنت قد احتفلت برجاحة عقلي و ثبات أعصابي مع كل هذه الحكاية و الجو المحرك للخيال...كانت الساعة الرابعة حينما سمعت الخطوات قادمة....خطوات ثابته...مهيبة...خطوات متأنية....ثم رأيته يدخل المكان....مهيبا عظيما كما وصفه العجوز....عيناه حمراوان بلون الدم...يرتدي عباءة لم أر في مثل جمالها...إنه يقترب في تؤدة...ملامحه جامدة و لا أرى اختلاجا واحدا في وجهه...يقترب و يقترب و يقترب...أكثر فأكثر فأكثر....لم أر ما حدث بعدها...سقطت مغشيا علي...إن عصبي الحائر((vagus nerve
)) يعمل بكفاءة غير عادية...
*****
حينما استيقظت رأيت "د/نجدت" ينظر إلي في قلق...قلت كلاما مبهما عن بيت و بدراوي و موعد...ضحك "د/نجدت" مليا قبل أن يقول "هل صدقت....لقد كانت مزحة...تبا لأهل القرية هؤلاء...لقد عرفوا إنك حديث العهد بقريتهم فقرروا أن يمزحوا معك....و قد شربت المقلب....تعيش وتاخد غيرها"...
*****
حينما رويت تلك القصة على صديقي لم يضحك كما توقعت...بل نظر إلى في جدية و قال" هناك ثلاث نقاط في قصتك جعلوني أشك في كونها حقيقة و ليست مزاحا...أولا من أين لفلاح فقير أن يأتي بمثل تلك الملابس الفاخرة التي رأيتها و التي هي حتما تخص البك...ربما سرقها...ثانيا...قلت أن القرية تعتمد النظام الناصري في الحراسة و البك يحقد على الثورة و على عبد الناصر باعتبارهم السبب في إفلاسه و من ثم الكارثة و المأساة و المذبحة التي ألمت به....فمن الممكن أن البك ينتقم منهم لتخليدهم ذكري الناصرية...ثالثا...هل يعقل أن يجرح صديقين صديقهم الثالث بشدة قاربت على موته لمجرد مزحة يلعباها على شخص غريب...لا يا صديقي....أعتقد أن الأمر لم يكن مزحة كما تعتقد"... كانت الابتسامة قد ماتت على شفتي...و حل محلها نظرة رعب في عيني و شحوب خوف على وجهي...لا يجب أن تكون مزحة....يا الهي...يجب أن تكون مزحة....
*****