الاثنين، 31 مايو 2010

إكتوبلازم

تستيقظ من نومك الغير مريح من الأساس....كل عظمة في جسمك تئن....تقف أمام مرآة الحمام...تعتصر عبوة معجون الأسنان بكلتا يديك و لكن لا جدوى...قد فرغت إلى حد العدم...تلقي بها في حنق و تزفر في ضيق و تقرر أن تشتري واحدا جديدا في طريق عودتك ...قبل أن تغسل وجهك ببعض الماء البارد كالثلج في هذا الشتاء القارص لكنك لا تهتم...الناجحون وحدهم من يستحقون الماء الدافئ و معجون الأسنان...اما انت فلم تنجح في شئ....تنظر إلى وجهك في المرآة...تشعر أنه قد ذبل و اختفت ملامحه...بريق عينيك قد خبا...ذقن طويلة لم تحلقها منذ أسبوعين....لكنك أيضا لم تهتم....تخرج إلى غرفتك...ترتدي ملابسك في إهمال...ملابس غير أنيقة و لا متناسقة لكنك لا تهتم....الحقيقة أنك لم تعد تهتم بأي شئ...الحقيقة التي لا تعلمها أنك صرت شبحا...
*****
تنزل إلى الشارع....تشير إلى سيارة أجرة فلم تقف لك...سيارة تلو الأخرى و لم يقف لك أحد...تسخط...تسب...تلعن...ثم تستسلم للأمر الواقع و تذهب إلى وجهتك سيرا على الأقدام...تذهب إلى ذلك المعهد الطبي التابع للجامعة...ذلك المعهد الذي قد يؤهلك للحصول على درجة علمية أفضل من شهادة البكالريوس اللعينة التي لم تجد بها عملا محترما...تجلس في المحاضرة...تنصت بكل حواسك علك تفلح في شئ هذه المرة...يسأل المحاضر سؤالا عسيرا...الكل من حولك يفغر فاه في غباء واضح...لكنك تعلم الإجابة العبقرية...تهمس بها فلا يسمعك المحاضر...ترفع صوتك فلا يسمع...استحال الصوت صياحا فلا يسمع و لا ينظر إليك حتى...يلتقط الجالس بجوارك الإجابة و يقولها...يبتسم المحاضر و يقدم له جائزة ثمينة و يعده بالدرجة العلمية الرفيعة قريبا تقديرا لعلمه...تسخط...تسب...تلعن...تصيح...تصرخ لكن أحدا لا يسمعك...ألم تقتنع بعد يا صديقي...أنت قد صرت شبحا....
*****
تعود إلى دارك...تفتح لفافة الشطائر التي جلبتها للغداء...لن يكون هناك طعاما دسما اليوم فاليوم زفاف صديقة عمرك و ربيبتك الأثيرة و ستأكل مساءا في الحفل....تأكل شطيرتين و تكوم الباقي...تقرر أن تقرأ شيئا ثم تعدل عن ذلك...قرأت كثيرا جدا....الحق أن القراءة قد محت شخصيتك وخربت تفكيرك ...صارت شخصيتك انعكاس لمن تقرأ لهم...انت اليوم نجيب محفوظ...بالأمس أنت هنريك ابسن...غدا أنت برانسيلاف نوسيتش...و في المستقبل انت يوسف إدريس و السباعي و جورج اورويل و بهاء طاهر...كل يوم انت آخر...تنام...تستيقظ في السادسة...لا استذكار اليوم فاليوم خمر و نساء...تقولها لنفسك و تضحك...تعلم أن الأمر لن يتجاوز طعاما و مشروبا غازيا...إذن ف اليوم بيبس و عشاء...تضحك أكثر...تتوجه إلى الحمام و تحلق لحيتك الطويلة...تغسل رأسك بالماء البارد الأبدي...تبحث عن معجون الأسنان فتكتشف أنك نسيت أن تبتاع واحدا جديدا...تغرق شعرك بالكريم...لم تكن يوما من أنصار ال"جيل"...ترتدي بذلتك السوداء الأنيقة ذات القميص الوردي...تحكم ربط رابطة عنقك الوردية بطبعها...تنظر لنفسك في المرآة....انت وسيم...نعم انت بدين لكنك وسيم...انت ذابل لكنك وسيم...خبا بريق عينيك لكنك وسيم...تبتسم لنفسك و تمد يدك لتعلق ذلك الدبوس الذهبي اللامع على البدلة فتسعر بوخزة خفيفة في إصبعك...لم تنزف دما...فقط احمرار خفيف و انتهى الأمر...نسيت الأمر برمته و لم تهتم كعادتك...لكنك لو اهتممت لعلمت شيئا بسيطا...انت يا عزيزي قد صرت ش ب ح ا ....
*****
أنت الآن في الشارع تنتظر سيارة أجرة أخرى لا تأبه لك...سيارة تلو الأخرى لكنك لم تسخط...تقف جوار سيدة تنتظر بدورها...تتوقف لها سيارة فتدلف إليها مع السيدة....تخبر السائق وجهتك دون أن تنظر إليه...تصل إلى قاعة الحفل...تضع الأجرة على المقعد المجاور للسائق و تمضي مسرعا إلى الحفل...تدخل القاعة...انت وسيم لكنك تعلم إنك لست جذابا فلم تتوقع أن تخر الفتيات صرعى لرؤياك أو حتى تلاحقك إحداهن ببصرها أينما حللت...تشق طريقك وسط الجموع متوجها إلى حيث توجد العروس صديقتك...تمد يدك و تسلم عليها بحرارة...تنظر إليك بلا اكتراث و ترد تحيتك في فتور...إهانة بالغة تلك التي شعرت بها...إنها بمثابة أختك أو أعز و كنت تتوقع معاملة أفضل...أين الحفاوة و التقدير...تمضي إل ركن مظلم بالقاعة و تمارس دورك كزهرة حائط إنجليزية أصيلة...تتابع يمينا و يسارا...لا أحد ينظر إليك...لا أحد يهتم بك...تسخط...تخرج خارج القاعة فتأنس بعض أصدقائك القدامى...تتوجه إليهم و تقف معهم...لم تكن أبدا متحدثا جيدا لكنك للحق كنت دائما ذكيا...تقف معهم محاولا اجتذاب ودهم....تضحك ضحكات مفتعلة على دعاباتهم ثقيلة الظل آملا في نيل محبتهم...تلقي بدعابة ذكية جدا لكن أحدا لم يضحك...أحدا لم يهتم وواصلوا الحديث و كأنك غير موجود...تتركهم ساخطا واجما...تغادر الحفل و تمشي في الشارع تفكر قليلا في حالك و تصل إلى نتيجة معقولة جدا...هنيئا لك أنت الآن تعلم أنك قد صرت شبحا....
*****
انت تقر بحقيقة كونك شبحا...تقريبا لا أحد يراك أو يسمعك...إذن أنت شبح...يراودك خاطر غريب..تنظر وراءك باحثا عن الإكتوبلازم...تلك المادة الخضراء اللزجة التي يعتقد علماء الما ورائيات إن الأشباح تخلفها حال و موضع ظهورها...تبحث ورائك فلم تجد شيئا...لكنك على يقين إنك شبح..شبح فاشل لا يخلف الإكتوبلازم...تبتسم في فخر..إنك على الأقل ستتمتع بقدرات الأشباح في اختراق كل السدود و الحواجز و السفر عبر الأزمنة...تنظر إلى تلك البناية أمامك...تجري بكل قوتك في اتجاه حائطها الخرصاني...تردد لنفسك سأخترقها...ساخترقها...سأخترقها...و تقفز بكل قوتك...آي...لم تخترق شيئا... و الدماء تنزف بغزارة من جبهتك...تسمع صوت ذلك الشيخ الفاني يقول لك " ايه يا بني اللي عملته في نفسك ده...انت اتجننت...لا حول ولا قوة إلا بالله"...اجتمع المارة حولك...يساعدونك و يضمدون جراحك...تبتعد عنهم و انت تمسك بجبهتك النازفة وتضحك في هستيريا و أنت تردد لست شبحا...لست شبحا....تعبر الشارع مسرعا في جنون فلم تنتبه لتلك الحافلة و آخر ما سمعته كان صرير الفرامل الحاد....أييييييييييييييييييييء...
*****
تنظر من أعلى ترى جسدك المسجى وسط بركة من الدماء...و الناس يحاولون إسعافك بكل جهدهم و لكنك تعلم يقينا أن الأمر انتهى...أنت الآن بالفعل قد صرت شبحا...تشعر أنك الآن فقط صرت ذا قيمة...تنظر خلفك و تأكدت أنك الآن فقط صرت ذا قيمة...الآن فقط صرت تخلف الإكتوبلازم....

الاثنين، 5 أبريل 2010

تك تك تك

تك تك تك....يدوي هذا الصوت الرتيب في أعماقي....ليست تك مرققة إنما طك مفخمة...نعم هو بعينه صوت اصطدام السائل اللزج بالأرضية الزلقة الناعمة...أعلم هذا الصوت في أعماقي جيدا...ثقب في جداري النفسي...ثقب في السد الروحي...ذلك الجدار الذي نخفي وراءه كل قاذورات أنفسنا...-طك- كراهية....-طك-غضب....-طك- شهوة....-طك- شرور....ثقب في جداري النفسي...ثقب تنساب منه قاذورات روحي فتحدث كل هذا الصخب....ثقب يحاول جيدا ضميري -ذلك الموظف الذي لا يعمل إلا في المناسبات- أن يرتقه و يستعين بكل عماله من الأخلاق و القيم لكني أقسم أنه لا ينجح...يوما سيستحيل الثقب هوة....يوما ستصبح الهوة شقا....يوما سيصير الشق أخدودا... و عندها سينهار السد....حتما سينهار السد....
*****
تك تك تك....صوت دقات الساعة الممل...اتدثر بالغطاء لأتقي بردا لا أشعر به....أتقلب في الفراش ذات اليمين و ذات الشمال....هدوء تام من حولي لا يخترقه سوى صوت الساعة الرتيب...النوم يجافيني....أذكر أنني و أنا بعد طالب كانت أمي تبرر أرقي ب :" ما هو عشان مبتذاكرش...ما أنت لو بتذاكر كنت تعبت ونمت على طول...إنما دماغك فاضية مبتفكرش ف حاجة"...لكني أبدا لم أقتنع بهذا المبرر....أيام الامتحانات هي أكثر الفترات استذكارا و حشوا للمعلومات و مع ذلك يجافيني النوم...لم يكن الخوف فقط هو المبرر...بل أيضا كل هذا الزخم المعلوماتي الرهيب الذي يحتشد في عقلي...أرى بعين الخيال كل المعلومات تجري و تمرح داخل تلافيف عقلي و تقيم حفلا صاخبا احتفالا بهذا المأوى الذي قرر أن يحتويها أخيرا....لكني اليوم رجل عامل...مرهق و مجهد....لماذا يجافيني النوم...حينما استعيد أحداث اليوم لا أجد مبررا لهذا الأرق...صديق لي طلب من خدمة تمثل له الكثير بالفعل لكنى رفضت تأديتها دون إبداء الأسباب...و حينما استنكر الباقون و سألوني عن السبب أجبت قائلا :" ببساطة شديدة هو هيستفيد فعلا...لكن أنا لأ...بس كده"....و انصرفت...ماذا أيضا....لا أعتقد تركي لذلك المريض يموت أمام عيني سبب لأرقي....ببساطة أيضا كانت انتهت فترة نوبتي و لم يقم الطبيب الآخر بعمله...كنت أعرف ما يساعده لكني لم أفعله...ليست حالتي و هذا واضح....لا أعتقد أيضا أن تركي ل "علياء" و تحطيمي قلبها هو السبب في سهادي....قابلتها اليوم....كانت تنتظر أن تسمع مني كلاما على غرار "عاوز اقابل بابا بئه"...أو حتى قصيدة أخرى أسرقها من نزار و درويش و أهديها إليها قائلا أنى كتبتها أمس في ضوء القمر....لكني لم أفعل...قلت لها إنني سئمت هذه العلاقة و يجب أن ننهي كل شئ...وصفتها بالغباء و القبح و ضحالة الفكر و السطحية... و تركتها....و قبل أن أرحل استوقفتني...و من بين دموعها قالت :"هل أطمع منك في قصيدة أخيرة على ضوء القمر"....أجبتها ساخرا " و هل للقمر ضوء يا حمقاء"...و تركتها و رحلت....لكني لا زلت لا أعلم ما سبب هذا الأرق...تبا لصوت الساعة اللعين هذا....
*****
تك تك تك....أيضا صوت مفخم ليس مرقق...طك لو شئنا الدقة...دقات متتالية....دقات بطيئة...دقات رتيبة....أقف في شرفتي في الطابق الرابع...الساعة تجاوزت الثالثة صباحا...أرى هذا العجوز يمشي في بطء لكن بثقة...يدق بعصاه التي يتوكأ عليها فيحدث كل هذا الصخب....شيئا في هيئته يثير الريبة....كلب ينبح من بعيد...أجزم أنه نباح تحذيري...يرد عليه كلبا آخر قرر أن يقضي ليلته أمام البناية التي أقطن بها....ينبح الكلب في اتجاه العجوز القادم...لكن العجوز لم يهتم ويواصل تقدمه في ثبات...نباح الكلب استحال عويلا ثم أنينا خافتا يمزق نياط القلوب...ثم توقف الرجل فجأة ومعه توقفت الدقات و بحركة سريعة رفع رأسه نحوي...لا أعلم ما أصابني...تراجعت سريعا و التصقت بحائط الشرفة و قلبي يتواثب بين ضلوعي....العرق يحتشد حول جبيني و أنا أتساءل هي رآني....توقف الزمن لبرهة قبل أن تعود الدقات مرة أخرى...أتقدم في حذر و ألقي نظرة....تبا...إن العجوز ينظر لي في ثبات و هو يدق العصا واقفا في مكانه...ذلك الوغد الخبيث...واصل الدق كي أظن أنه رحل من ثم أنظر فيراني....وجهه مخيف و عليه ارتسمت أشنع ابتسامه ممكن تخيلها....مكث لحظات ثم واصل طريقه تاركني في رعب لا أدري سببه...زارعا في مخاوف الدنيا كلها...استدرت لأدخل غرفتي حين رأيته أمامي مباشرة...كاد قلبي يتوقف...حاولت أن أجري ففشلت...حركة بطيئة لا معنى لها أبدا...حاولت أن أصرخ لكن صوتي لم يخرج من حلقي...ثم انقض...و قبل أن يمسني بلحظة أفقت...وجدت نفسي في فراشي و صوت الدقات مازال يتواصل و تبينت أنه قادم من الشقة المجاورة...نفس الصوت الرتيب الذي لابد أنه طبق النظام الفرويدي و دخل إلى عقلي الباطن ليؤلف له حلما...ممثل ضعيف توجه لمؤلف عملاق ليكتب له سيناريو محترم...فكانت النتيجة حلما أو فيلما غير مكتمل الأركان...جفناي يزنان أطنانا بحق...و تلك الهوة بين النوم و اليقظة تسحبني لكني أقاوم...أرجوك لا أريد كابوسا آخر...أخشى إنني لو عدت فلن أعود....أي أنني لو عدت إلى النوم قد لا أعود إلى اليقظة أبدا...أقاوم و أقاوم و في النهاية ينجح سلطان النوم...انزلقت إلى الهاوية و عدت مرة أخرى...فهل أعود...
*****
تك تك تك....تك تك تك يا أم سليمان...تك تك تك زوجك وين كان...تك تك تك عم بالحقل....عم يقطف خوخ و رمان...
*****
تك تك تك....المدير يعبث بقلمه الزنبركي الأنيق...كنت أخضع للتحقيق...لم يكن مدير المستشفى يلعب دور المحقق إلا في حالات الوفيات الموصومة بالإهمال فقط....عدا ذلك يعهد بهذه المهمة إلى رئيس الشئون القانونية....كان تحقيقا تقليديا لكني أحب أن أنقل لك نص الحوار :-
المدير:- يوم 27 أبريل...كانت نوبتجيتك من -تك- الثانية ظهرا -تك- حتى الثامنة مساءا -تك-..صحيح؟
أنا:- نعم ...(( يجب أن تعلم صديقي أن تك هذه صوت القلم فهو لا يكف عن تلك الحركة أبدا))...
المدير:-الحالة محمد-تك- عبد السلام المرغني....دخلت-تك- المستشفى في الثامنة-تك- إلا الربع و يقال أنها-تك- لم تلق أية عناية و لم تقم-تك- أنت بواجبك و ماتت-تك-...ما ردك؟
أنا:-كنت مشغولا جدا يا سيدي و حينما فرغت كانت نوبتي قد انتهت و اعتقدت أن نائب الآخر قد جاء...و حتى لو لم يحضر فهي ليست مسؤوليتي...فليذهب المريض إلى الجحيم فقد انتهت نوبتي و هذا ليس دوري...
((لا أعلم ما سر هذه العصبية المفرطة التي أصابتني و لكني بالفعل أتوتر حين أخضع للتحقيقات أو المواجهات عموما..))
المدير:-و أين -تك- الإنسانية -تك-؟
أنا:- لم تكن تلك الحالة مسؤوليتي هذا هو قانون العمل و لا دخل للإنسانيات هنا...نحن بشر نتعب ولسنا آلآت...
المدير:- أنت حاد-تك- لكنك صريح-تك-..أنا أحب -تك- الصراحة...انصراف الآن...
حينما خرجت و استشرت أحد زملائي الذين خضعوا للتحقيق من قبل سألني فنقلت له نص الحوار بالضبط...ارتسمت على وجهه نظرات حكمة لم ترتسم على وجهه راهب تبتي في عزلته وقال :-هل تكتك بالقلم و أنت تتكلم؟....كان سؤاله عجيب...كان يتكتك و هو يسأل لكنه كان يستمع إلى إجاباتي بتركيز و لم يقم بتلك الحركة المستفزة...نقلت له خواطري فطمأنني بأن ذلك أمر جيد و عرض حميد...و طالبني بالاطمئنان و عدم القلق و أخبرني أن أقصى عقوبة قد أتعرض لها هي لفت النظر....كان هذا قبل يومين من استلامي لخطاب الفصل النهائي من ذلك المستشفى الخاص الفخم....
*****
تك تك تك....يحاول أن يشعل غليونه بصبر....يعرف أن الغليون يعطيه طابع العالم الموحي بالثقة...ذلك الخيال الفوريدي العجيب و تلك اللوحات التأثيرية الحية ل رينوار و فان جوخ و موسيقى شتراوس و موزارت تنبعث من اللا مكان....جو هادئ يليق بعيادة طبيب نفسي محترم....ها أنت تراني صديقي أتلقى العلاج النفسي و لك وحدك أخبرك السر...أنا مريض نفسي ....لفظة سكيزوفرانيا وحدها لا تؤدي الغرض معي....أجمع كل البارنويا و الجرانيدوزي ((جنون العظمة)) و كل الذهان و أضف إليهم الفوبيا عندها فقط تراني...تذكرت باسما الفوبيا...اعتدت من علماء النفس أن يضيفوا كلمة فوبيا لكل شئ ليصنعوا مرادفا لاتينيا للخوف من كل شئ....و على نفس النسق أطلقت كلمة فوبيا على سعيد البلطجي المقيم في حينا الذي يدق قلبي وجلا من مرآه و الذي كان ينتظر الفرصة المناسبة ليأكلني حيا أو أكون أسعد حظا فيكتفي بقتلي...كنت أطلق على تلك الحالة "سعيدوفوبيا"....يحاول الطبيب النفسي دون جدوى....و صوت التك تك يثير أعصابي بحق...تبا للعلاج و مرحبا بالجنون...
*****
تك تك تك....صوت غريب في سيارتي....لا بالطبع ليست قنبلة زمنية...لكن...آه....ها هو مصدر الصوت....شئ صغير سقط في دواسة المقعد المجاور لي و يرتطم بالباب من الداخل....حركة براونية أبدية جيئة و ذهابا تصدر هذا الصوت....انحنيت التقطه و أنا لا أزال أقود السيارة....و حين رفعت عيني كانت النهاية....إييييييييييييييي....تش...صوت تهشم السيارة و أنا بداخلها...
*****
تك تك تك....صوت رتيب ممل....صوت جهاز رسم القلب و العلامات الحيوية بجواري...أنا في غيبوبة لكني أسمعه....المرقاب يرسم خطوطا بيزنطيه لا يفهمها أحد...حتى الأطباء يعانون في فهمها....أذكر إنني أيام دراستي كنت أحد الطلبة القلائل المستوعبين لرسم القلب...هكذا تحمست و أخذت أشرح لأصدقائي و الرذاذ يتطاير من بين شدقي...الكل استوعبه حقا من شرحي المستفيض...كانت لحظة كإلهام الشعراء لأنني ليلة امتحان رسم القلب تصفحت بعضها فلم أفهم شيئا....و أخذت أتساءل عن معنى تلك الخطوط الهيراطيقية....حينما طالبت أحد زملائي بشرحه لي ظن بعقلي الظنون....
تك تك تك....صوت المرقاب يخبرهم أنني لازلت حيا أرزق....فقدت أنا في عالم آخر يجهلون كل شئ عن مفاتيح العودة منه....ينتظرون إما عودتي منه أو ينتظرون بقائي فيه للأبد...و حينها تتحول التك تك إلى تيييييييييييييييت طويلة مع خط مستقيم بالمرقاب....ينتظرون و انتظر....فهل يعبر أحدنا للآخر أم نظل للأبد على شاطئ الحيرة...
*****