الأحد، 7 سبتمبر 2008

هو


هو ... مراهق آخر من الذي تعج بهم الحياة.... كغيره من المراهقين يعيش في عالم لا يصدق من الأحلام والخيالات...هو مراهق آخر من الذين تراهم حولك في كل صوب.... مراهق يعتقد أنه موهبة مدفونة لم يعثر عليها القدر بعد...مراهق يعتقد أنه جوهرة ثمينة تتأهب لمن ينفض عنها غبار الواقع فتلمع في سماء الغد...مراهق يعتقد أنه معدن نفيس في انتظار من يصقله....مراهق يحلم و يحلم....يبدأ يومه وهو يحلم بأن يصير جراحا عالميا...إلا أنه لا يلبث عند منتصف اليوم يقرر أن يصير اديبا كبيرا....إلا انه عندما يجن عليه الليل يقرر أن يصبح لاعبا مشهورا...ولا ينس قبل أن ينام ان يقرر أن يصير دبولماسيا عظيما....ثم ينام ليصحو مكتشفا أن هناك بعض المناصب لم يشغلها بعد فيقرر أن يمارسها في اليوم التالي....
*****
هو يكبر....يصير في المرحلة الثانوية....حينما تتحول الطوحات إلى أرقام و يتحول المستقبل إلى نسبة مئوية....هو يكبر و ينسى كل شئ عن أحلام المراهقة و طوحاتها....لا يشغل باله سوى جداول مندليف و راذرفورد و لا هم له سوى ميكانيكية ملف روموكوف و أهمية الحركة البراونية....يكافح و يجاهد و يسعى...كل ذلك من أجل أن يلتحق بكلية الطب أو الصيدلة أو على أقل تقدير الطب البيطري كي يحظى بلقب دكتور....يكافح و يجاهد و يسعى.... وفي انتظار النتيجة....
*****
هو في السنة الأخيرة له في الجامعة....نسيت أن أخبركم أن الرياح قد أتت بما لا تشتهي السفن و التحق هو بكلية التجارة....لا بأس ابدا بكلية التجارة لكن البأس كل البأس بعد التخرج....كان هو يعلم أن طموحاته لها سلم محدد...أول السلم هو بائع في متجر للموبايلات...و آخر السلم هو محاسب في بنك باركليز....لسبب ما صار كل خريجي التجارة لا يعملون سوى في متجر للموبايلات أو بنك باركليز بالأخص.... و وداعا للوظيفة الحكومية.....
*****
هو لا يعمل....هذه هي الحقيقة....منذ أن تخرج و أنهى خدمته العسكرية و هو يقبع نهارا في داره إلى جوار أمه و أخوته الصغار.... و يقضي ليله في التسكع و الجلوس على المقهى مع أصدقائه العاطلين بالمثل....لم يحصل على وظيفة حكومية....لم يحصل على وظيفة بالبنك و تعف عليه نفسه أن يعمل في متجر....
*****
هو جالس على المقهى كغيره من الشباب....لا يفعلون شيئا....وكلما تسألهم عن أحوالهم يخبرونك بأنهم ينتظرون...تتسائل ماذا ينتظرون و إلى متى سينتظرون؟!!...ومن ذا الذي يخلصهم من انتظارهم...فيخبرونك بأنهم يسعوا و يسعوا ولا يجدون أمامهم الآن سوى ان ينتظروا فينتظروا....فلننتظر....
*****
هو قد شارف الثلاثين من العمر.... هو يائس .... حياة بلا عمل بلا زواج بلا أحلام هي بالتأكيد حياة بائسة.... لكن اليوم قد صارت حياته أيضا بلا مال... مات أبوه و معاشه الضئيل لا يكفي حاجة أخوته و أمه...هو يبحث كالمجنون عن عمل في كل مكان...فلا يجد....يبكي لصاحب العمل يبكي للمسؤولين بالحكومة عسى أن يستعطف قلوبهم ولكن بلا جدوى...هو يائس هو محطم...هو تتغير حياته....
*****
هو لم يعد منزله منذ شهور....هو يعلم أن أمه مريضة و أن أخوته جياع.... لا يتحمل تأوهات امه و لا بكاء أخوته...هو كالمجنون يجوب الشوارع مطلقا لحيته التي لم يقربها منذ شهور....يسير بملابسه الرثة....يبحث و يبحث و فجأة تقع عيناه على متجر مغلق للصرافة....يعبث الشيطان برأسه....يفكر في الأمر و يقول لنفسه و لم لا...ألست محتاجا....يقتحم المتجر و يسرق بعضا مما بداخله...يتأهب للفرار....لكنه يصطدم بحارس الأمن أمامه يعترض طريقه....لم ينتظر ليفهم وعاجل الحارس بأن غرس المفك الذي فتح به المتجر في رقبته....تفجرت الدماء من الحارس و جحظت عيناه ثم أسلم الروح....هو يهرب مسرعا....هو يبكي و تغرورق عيناه بالدمع فلا يكاد يبصر ما حوله....هو يستعجب مما فعل....هو في ليلة واحدة اقتحم و سرق و قتل....لقد دفعه ذعره الحيواني إلى قتل رجل برئ لم يفعل شيئا سوى إنه يؤدي واجبه....لقد دفعه فقره إلى اقتحام المتجر....لقد دفعه شيطانه إلى السرقة....لقد ارتكب في لحظة واحدة من الجرائم ما لم يرتكبه عتاة المجرمين....لقد انتهت حياته وبالها من نهاية....
*****
لقد أعدمت طموحاته....لقد أعدمت أحلامه....لقد أعدم ضميره....و اليوم أعدم هو..............